وتذكر أن الله عزّ وجل سينبئهم بما عملوه يوم القيامة، وفي ذلك من الإنذار للكافرين، ومن التطمين للرسول صلى الله عليه وسلم وأهل الإيمان ما فيه، ولما كانت المحادة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم بدايتها التناجي الآثم؛ فإن الفقرة التالية تعالج هذا الموضوع، وتدل المسلم على أدب التناجي الحق، وأدب المجالس، وأدب
مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما يشير إلى أن الله عزّ وجل إذ يطهر المسلم من أخلاق الفاسقين، فإنه يحققه في الوقت نفسه بأخلاق المؤمنين، فالهدم والبناء والتخلية والتحلية كلها تمشي مع بعضها.
[تفسير الفقرة الثانية]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى أي: التناجي الخفي الظالم ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ أي: للنجوى الظالمة التي فسر الله مضمونها بقوله: وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ أي: بالذنب يفعلونه أو يشيعونه أو يتآمرون آثمين وَالْعُدْوانِ على الآخرين، إما على عرض أو مال أو حق وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ أي: مخالفته والخروج على أوامره وفي ذلك نقض للعهد مع الله، وقطع لما أمر الله به أن يوصل، وإفساد في الأرض وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ قال النسفي: يعني أنهم يقولون في تحيتك: السام عليك يا محمد، والسام: الموت، والله تعالى يقول:
وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى ويا أَيُّهَا النَّبِيُّ* وهو موضوع سنرى تفصيلاته في الفوائد وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ قال ابن كثير:(أي: يفعلون هذا ويقولون ما يحرفون من الكلام وإيهام السلام، وإنما هو شتم في الباطن، ومع هذا يقولون في أنفسهم لو كان هذا نبيا لعذبنا الله بما نقول له في الباطن؛ لأن الله يعلم ما نسره، فلو كان هذا نبيا حقا لأوشك أن بعاجلنا الله بالعقوبة في الدنيا) فقال الله تعالى: حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ أي: عذابا، أي: جهنم كفايتهم في الدار الآخرة يَصْلَوْنَها أي: يدخلونها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ أي: فبئس المرجع جهنم، وقد دلت الآية على أنه إذا لم تنل الكافر أو المنافق عقوبة في الدنيا؛ فإن عذاب جهنم كاف.
قال ابن كثير: ثم قال الله تعالى مؤدبا عباده المؤمنين أن لا يكونوا مثل الكفرة والمنافقين يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ قال ابن كثير: أي: كما يتناجى به الجهلة من كفرة أهل الكتاب ومن مالأهم على ضلالهم من المنافقين وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ أي: بالفرائض والطاعات