للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم ثم وبخهم فقال: أنتم أول من عملها

ثم بين لهم فاحشتهم إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ أي تجامعونهم- نعوذ بالله من سخطه- شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ أي شهوة لا من النساء اللاتي هن محل الشهوة الحقيقي، وقوله شهوة أي اشتهاء لا حامل لكم عليه إلا مجرد الشهوة ولا ذم أعظم منه، لأنه وصف لهم بالبهيمية بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ بعد أن أنكر عليهم تخلى عن الإنكار إلى الإخبار عنهم بالحال التي أدت بهم إلى ارتكاب القبائح وهو أنهم قوم عادتهم الإسراف وتجاوز الحدود في كل شئ. فمن ثم أسرفوا في باب قضاء الشهوة حتى تجاوزوا المعتاد إلى غير المعتاد

وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ أي لوطا ومن معه يعني أنهم ما أجابوه بما يكون جوابا عما كلمهم به لوط من إنكار الفاحشة، ووصفهم بصفة الإسراف الذي هو أصل الشر ولكنهم جاءوا بشيء آخر لا يتعلق بكلامه ونصيحته من الأمر بإخراجه ومن معه من المؤمنين، ثم عللوا سبب الإخراج بما ليس عيبا بل هو مدح وثناء فقالوا إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ أي يدعون الطهارة ويتنزهون عما نفعل قال مجاهد: إنهم أناس يتطهرون من أدبار الرجال، وأدبار النساء.

فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ أي ومن يختص به من ذويه أو من المؤمنين إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ أي من المهلكين بالعذاب

وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً أي وأرسلنا عليهم نوعا من المطر عجيبا أهلكناهم به فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ أي الكافرين.

[نقول]

- يقول صاحب الظلال: (وتكشف لنا قصة قوم لوط عن لون خاص من انحراف الفطرة وعن قضية أخرى غير قضية الألوهية والتوحيد التي كانت مدار القصص السابق ولكنها في الواقع ليست بعيدة عن قضية الألوهية والتوحيد .. إن الاعتقاد في الله الواحد يقود إلى الإسلام لسننه وشرعه، وقد شاءت سنة الله أن يخلق البشر ذكرا وأنثى، وأن يجعلهما شقين للنفس الواحدة تتكامل بهما، وأن يتم الامتداد في هذا الجنس عن طريق النسل وأن يكون النسل من التقاء ذكر وأنثى ومن ثم ركبهما وفق هذه السنة صالحين للالتقاء صالحين للنسل عن طريق هذا الالتقاء مجهزين عضويا ونفسيا لهذا الالتقاء وجعل اللذة التي ينالانها عندئذ عميقة والرغبة في إتيانها أصيلة وذلك لضمان أن يتلاقيا فيحققا مشيئة الله في امتداد الحياة ثم لتكون هذه الرغبة الأصيلة وتلك اللذة العميقة دافعا في مقابل المتاعب التي يلقيانها بعد ذلك في الذرية من حمل ووضع ورضاعة، ومن نفقة وتربية وكفالة ثم لتكون كذلك ضمانا لبقائهما ملتصقين في أسرة تكفل الأطفال الناشئين الذين تطول فترة

<<  <  ج: ص:  >  >>