المحسوس، حتى يتصوره السامع كأنه ينظر إليه بعينه فيحكم اعتقاده. والمعنى: فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله، فقد عقد لنفسه من الدين عقدا وثيقا، لا تحله شبهة.
لَا انْفِصامَ لَها أي: لا انقطاع لهذه العروة التي تمسك بها من آمن بالله، وكفر بالطاغوت شبه من آمن بالله، وكفر بالطاغوت، بالمستمسك بالعروة القوية التي لا تنفصم. لأنها في نفسها محكمة مبرمة، قوية. وربطها قوي شديد. ودخل في الإيمان بالله، الإيمان برسوله، وكتابه، ودينه. لأن ذلك كله من لوازم الإيمان. وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ: يسمع كل شئ، ويعلم كل شئ. فأسمعوه من أنفسكم خيرا، وأحكموا أمر الإيمان بالله، والكفر بالطاغوت.
[فوائد]
١ - لاحظنا أن الاستمساك بالعروة الوثقى، كفر بالطاغوت، وإيمان بالله. وقد ذكر في الآية، الكفر بالطاغوت مقدما على الإيمان بالله، لغموض هذا الجانب في حياة الناس. وهكذا قال المربون الإسلاميون: التخلية، ثم التحلية. وبقدر ما تتخلى، تتحلى.
بقدر ما يكون الكفر بالطاغوت قويا، يكون الإيمان قويا.
٢ - من المعلوم أن هناك اتفاقا بين الفقهاء، أن العربي الوثني لا يقبل منه إلا الإسلام، أو القتل. وأما الذمي العربي، فيجوز أن تؤخذ منه الجزية. ولكنه لا يقر في جزيرة العرب.
أما غير العرب، فإنه يعرض عليهم الإسلام، أو الجزية، أو القتال. على خلاف حول غير اليهود والنصارى. والشئ الذي تم عليه العمل خلال العصور، هو ما ذكرناه. ونتيجة لهذه الأحكام، وجد من يقول إن آية: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ منسوخة. والمسألة مرتبطة بموضوع تخصيص العام هل يعتبر نسخا أو بيانا. ومن الناحية العملية، لا يترتب على هذا الاختلاف شئ. فالقتال شئ، والإكراه على الدخول في الإسلام شئ آخر.
أمرنا أن نقاتل الكافرين، وحرم علينا إكراههم، إلا عربيا وثنيا. فهذا ليس أمامه إلا الإسلام أو القتل لأن الحجة في حقه أظهر.
٣ - قال عمر رضي الله عنه «إن الجبت: السحر. والطاغوت: الشيطان. وإن الشجاعة والجبن غرائز، تكون في الرجال. يقاتل الشجاع عمن لا يعرف. ويفر الجبان من أمه. وإن كرم الرجل دينه، وحسبه، وخلقه، وإن كان فارسيا، أو نبطيا» رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.