الأول في السورة فصّل في مضمون محور السورة، وبنى عليه وناقش الكافرين. وبيّن الموقف الصّحيح لأهل الإيمان، وكل ذلك كان ضمن سياق السورة الخاص الذي يبدأ بالتعريف على الله عزّ وجل، وما تقتضيه هذه المعرفة من شكر لله عزّ وجل، ثم تبدأ السورة في مناقشة الكافرين، وتبيان الخطأ في مواقفهم، وتعلّم أهل الإيمان ماهيّة الموقف الحق. فإذا اتضح محل المقطع بالنسبة للسياق القرآني العام، وأن لسورة الأنعام سياقها الخاص بها. فلنبدأ بعرض المعاني العامة للمقطع الأول:
[المعنى العام]
يبدأ الله عزّ وجل السورة مادحا نفسه الكريمة، وحامدا لها على خلقه السموات والأرض لعباده، وجعله الظلمات والنور منفعة لعباده، وقد جمع لفظ الظلمات ووحّد لفظ النور لكونه أشرف، وبيّن أنّه مع هذا كله كفر به أكثر عباده، وجعلوا له شريكا وعدلا، واتخذوا له صاحبة وولدا، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، ثمّ بيّن تعالى أنّه خلق أبانا آدم- الذي هو أصلنا ومنه خرجنا من طين، فانتشرنا في المشارق والمغارب. وقد قضى لكل إنسان أجله الخاص، وقدّر وقضى لهذا العالم كله أجله وهو عمر الدنيا بكمالها، ثم انتهاؤها وقضاؤها وزوالها وانتقالها، والمصير إلى الدار الآخرة.
وهذا أمر لا يعلمه إلا هو، ومع هذا فإنّ النّاس يشكّون في أمر الساعة، وقد بيّن استحقاقه للحمد، وكمال قدرته، ومظاهر هذه القدرة، ومظاهر إنعامه على خلقه، وكيف أنّه مع ذلك يشرك به من أشرك، ويشكّ باليوم الآخر من يشك، ومن هذه المقدمة ندرك أن المحور العام للسورة مناقشة الكفر وأهله، وتقرير قدرة الله، والتدليل على عنايته لاستخراج الشكر وإكمال المعرفة بالله، وهذه القضايا هي التي نجدها في آيتي سورة البقرة اللتين قلنا عنهما إنهما محور سورة الأنعام.
ثمّ بدأ الكلام بعد المقدمة مقرّرا أنه تعالى هو المدعو والمسمى الله في السموات وفي الأرض، أي يعبده ويوحّده ويقر له بالإلهية من في السموات ومن في الأرض، ويسمونه الله، ويدعونه رغبا ورهبا، إلا من كفر من الجن والإنس، وأنه يعلم ما في السموات وما في الأرض من سرّ وجهر، فيعلم سرّنا وجهرنا، ويعلم كسبنا وجميع أعمالنا، خيرها وشرها، وبعد أن يخبر سبحانه عن ربوبيته للسماوات والأرض، وإحاطة علمه بما فيها، يخبر عن المشركين المكذّبين المعاندين أنهّم كلّما أتتهم آية أي:
دلالة ومعجزة وحجّة ممّا يدلّ على وحدانية الله، وصدق رسله الكرام، فإنهم