للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محور السورة وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ.

والآن ما هو موقف أهل الحق من هؤلاء المعرضين الخاطئين في تصورهم لموضوع الشقاء والسعادة؟ ما هي القضايا الرئيسية التي ينبغي أن يلتزم بها أهل الإيمان وأهل الهدى؟

هذا ما نراه في الآيات الثلاث:

١ - فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ أي من تكذيبهم وأقوالهم التي يعبرون بها عن تصوراتهم المريضة وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أي بصلاة الفجر وَقَبْلَ غُرُوبِها أي في صلاة العصر وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ أي من ساعاته فتهجد به، وحمله بعضهم على المغرب والعشاء وَأَطْرافَ النَّهارِ في مقابلة آناء الليل، وحمله بعضهم على الظهر والعصر، لأنهما واقعتان في النصف الأخير من النهار بين زوال الشمس وغروبها، هذا كله إذا فهمنا أن المراد بالتسبيح هنا تسبيح الصلاة، إلا أننا إذا فهمنا أن المراد بالتسبيح هنا مطلق التسبيح سواء كان في صلاة أو لا، يكون ذلك أمرا للمداومة على ذكر الله: سبحان الله وبحمده ليلا ونهارا، قبل طلوع الشمس وبعده، قبل غروب الشمس وبعده، في ساعات الليل وفي كل طرف من أطراف النهار بالصلاة وغيرها لَعَلَّكَ تَرْضى قال النسفي: (أي اذكر الله في هذه الأوقات رجاء أن تنال عند الله ما به ترضى نفسك ويسر قلبك) هذا هو الأمر الأول هنا، وهو يفيد أن التسبيح بحمد الله، مع الصبر، هو أدب المسلم في صموده أمام أقوال أهل الكفر- وما أكثرها، وما أشدها- كما أن التسبيح بحمد الله هو وسيلة المسلم للسعادة في الدنيا والآخرة، هذا وعد الله عزّ وجل لمن لازم التسبيح بحمده.

٢ - وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ أي نظر عينيك إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ أي أصنافا من الكفرة، وفي ذلك إشارة إلى أنه ليس كل كافر ممتعا، ومعنى مد البصر:

تطويله، وألا يكاد يرده استحسانا للمنظور إليه وإعجابا به، دل ذلك على أن النظر غير الممدود معفو عنه، وذلك أن يباده الشئ بالنظر ثم يغض الطرف، ولقد شدد المتقون في وجوب غض البصر عن أبنية الظلمة، ومظاهر الفسق في ملابسهم ومراكبهم حتى قال الحسن: لا تنظروا إلى دقدقة هماليج الفسقة ولكن انظروا كيف يلوح

ذل المعصية من تلك الرقاب؟ وهذا لأنهم إنما اتخذوا هذه الأشياء لعيون النظارة فالناظر إليها محصل لغرضهم ومغر لهم على اتخاذها والمعنى: لا تنظر إلى ما فيه هؤلاء المترفون وأشباههم ونظراؤهم من النعيم، فإنما هو زهرة زائلة ونعمة حائلة لنختبرهم بذلك، وقليل من

<<  <  ج: ص:  >  >>