القرآن، من بيان وتمثيل وتصريف للمعاني، وتبشير وإنذار، وهداية مباشرة وغير مباشرة فتتولّد نتيجة لذلك معان لا حدّ لها ولا حصر ولا عدّ.
...
[فوائد]
١ - [فائدة حول الأقوال الواردة في أصل إبليس]
رأينا أن ابن كثير رجّح أن إبليس من الجن، وهو الذي يدل عليه ظاهر النص في سورة الكهف، ولكنه نقل في تفسيره مجموعة الأقوال الواردة في أصل إبليس. وبعد أن ذكر مجموعة الأقوال هذه قال: وقد روي في هذا آثار كثيرة عن السلف، وغالبها من الإسرائيليات التي تنقل لينظر فيها والله أعلم بحال كثير منها، ومنها ما قد يقطع بكذبه لمخالفته للحق الذي بأيدينا، وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة؛ لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان، وقد وضع فيها أشياء كثيرة، وليس لهم من الحفّاظ المتقنين الذين ينفون عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، كما لهذه الأمة من الأئمة والعلماء، والسادة والأتقياء، والبررة والنجباء، من
الجهابذة النقاد، والحفاظ الجياد، الذين دوّنوا الحديث وحرّروه، وبيّنوا صحيحه من حسنه، من ضعيفه من منكره، وموضوعه ومتروكه، ومكذوبه، وعرفوا الوضّاعين والكذابين والمجهولين، وغير ذلك من أصناف الرجال، كل ذلك صيانة للجناب النبوي، والمقام المحمدي، خاتم الرسل، وسيّد البشر صلّى الله عليه وسلّم أن ينسب إليه كذب، أو يحدّث عنه بما ليس منه، فرضي الله عنهم وأرضاهم، وجعل الفردوس مأواهم.
٢ - [ما ذكره ابن كثير من أقوال في تفسير كلمة (موبقا) في آية وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً]
رأينا أن ابن كثير رجح أن معنى (موبقا) في قوله تعالى: وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً أي مهلكا، إلا أنه نقل الأقوال الأخرى في هذا المقام، ونذكرها نحن هنا للفائدة: قال ابن عباس وقتادة وغير واحد: مهلكا، وقال قتادة ذكر لنا أن عمر البكائي حدّث عن عبد الله بن عمرو وقال: هو واد عميق، فرق به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضلالة. وقال قتادة: موبقا واديا في جهنم. وروى ابن جرير بسنده أن أنس بن مالك قال في قول الله تعالى وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً قال: واد في جهنم من قيح ودم، وقال الحسن البصري: موبقا عداوة. والظاهر من السياق أنه المهلك، ويجوز أن يكون واديا في جهنم أو غيره، والمعنى أن الله تعالى بيّن أنه لا سبيل لهؤلاء المشركين، ولا وصول لهم إلى آلهتهم التي كانوا يزعمون في الدنيا، وأنه يفرق بينهم وبينها في الآخرة، فلا خلاص لأحد من الفريقين إلى الآخر، بل بينهما مهلك، وهول