عند قوله تعالى: وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ قال صاحب الظلال: (وهو الذي خلق الكون وفق هذا النظام الذي اختاره له، وحكم فيه تلك النواميس التي تظل بها النجوم والكواكب مرفوعة متباعدة، لا تسقط ولا يصدم بعضها بعضا. وكل تفسير فلكي للنظام الكوني ما يزيد على أنه محاولة لتفسير الناموس المعظم للوضع القائم الذي أنشأه خالق هذا النظام. وإن كان بعضهم ينسى هذه الحقيقة الواضحة، فيخيل إليه أنه حين يفسر النظام الكوني ينفي يد القدرة عن هذا الكون ويستبعد آثارها، وهذا وهم عجيب وانحراف في التفكير غريب فإن الاهتداء إلى تفسير القانون- على فرض صحته- والنظريات الفلكية ليست سوى فروض مدروسة لتفسير الظواهر الكونية تصح أو لا تصح، وتثبت اليوم وتبطل غدا بفرض جديد- لا ينفي وجود واضع القانون وأثره في إعمال هذا القانون والله سبحانه يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ بفعل ذلك الناموس الذي يعمل فيها وهو من صنعه إِلَّا بِإِذْنِهِ وذلك يوم يعطل الناموس الذي يعمل بحكمة ويعطله كذلك لحكمة).
[كلمة في السياق]
لإدراك محل الآيات الأخيرة في السياق فلنتذكر ما يلي: في عصرنا نجد كثيرا من المتحذلقين أو الجاهلين عند ما يحجون فيرون أن كثيرا مما يذبح من الهدي أثناء تأدية مناسك الحج يذهب هدرا يبدءون يقترحون الاقتراحات، أو يتساءلون عما إذا كان الأحسن عدم الذبح، أو يدعون إلى ترك الذبح، وقد يعللون ذلك بأن الرسول صلى الله عليه وسلم عند ما سن الذبح لم يكن الوضع على ما هو عليه الآن، وقد ينظر بعضهم إلى الأمر نظرة اقتصادية- في زعمه- فلا يرى الذبح، فعند ما تأتي هذه الآيات مقررة أن الذبح شريعة الله المستمرة في كل العصور، وأن الذين يجادلون في ذلك ينبغي ألا يلتفت إليهم، وأن هذا صراط الله، وأن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض، وأنه سجل ذلك كله في كتاب، مما يدل على إحاطة علمه بكل شئ، حتى قبل وجوده، إن الله الذي يعلم هذا هو الذي شرع هذا، فليس الأمر كما يزعمون. إن ما يربي التقوى أغلى في ميزان الله من كل ماديات الدنيا، فمن نظر إلى المسألة بغير هذا المنظار، فهو منكوس القلب. إذا اتضح هذا فلنلاحظ: إن الكلام عن المناسك جاء بعد التذكير بالنعم،