تحت جناحه فخرجت بيضاء من غير سوء، فقال هذا سحر جئت به لتسحرنا، وتستولي به على الناس، فيتبعونك، وتكاثرنا بهم ولا يتم هذا معك، فإن عندنا سحرا مثل سحرك، فلا يغرنك ما أنت فيه.
وقال صاحب الظلال عن هذه الآية والآية التي بعدها: قالَ: أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى؟ (ويظهر أن استعباد بني إسرائيل كان إجراء سياسيا خوفا من تكاثرهم وغلبتهم، وفي سبيل الملك والحكم لا يتحرج الطغاة من ارتكاب أشد الجرائم وحشية وأشنعها بربرية وأبعدها عن كل معاني الإنسانية وعن الخلق والشرف والضمير، ومن ثم كان فرعون يستأصل بني إسرائيل ويذلهم بقتل المواليد الذكور.
واستبقاء الإناث، وتسخير الكبار في الشاق المهلك من الأعمال .. فلما قال له موسى وهارون: أرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم. قالَ: أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا
بِسِحْرِكَ يا مُوسى؟
لأن إطلاق بني إسرائيل تمهيد للاستيلاء على الحكم والأرض.
وإذا كان موسى [في زعم فرعون] يطلب إطلاق بني إسرائيل لهذا الغرض، وكل ما يقدمه هو عمل من أعمال السحر، فما أسهل الرد عليه: فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ .. وهكذا يفهم الطغاة أن دعوى أصحاب العقائد إنما تخفي وراءها هدفا من أهداف هذه الأرض، وأنها ليست سوى ستار للملك والحكم .. ثم هم يرون مع أصحاب الدعوات آيات، إما خارقة كآيات موسى، وإما مؤثرة في الناس تأخذ طريقها إلى قلوبهم وإن لم تكن من الخوارق. فإذا الطغاة يقابلونها بما يماثلها ظاهريا .. سحر نأتي بسحر مثله! كلام نأتي بكلام من نوعه! صلاح نتظاهر بالصلاح! عمل طيب نرائي بعمل طيب! ولا يدركون أن للعقائد رصيدا من الإيمان، ورصيدا من عون الله، فهي تغلب بهذا وبذاك، لا بالظواهر والأشكال.).
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ أي فلنعارضك بسحر مثل سحرك، وهكذا نقل فرعون المسألة من صبغتها الدينية فأعطاها صبغة سياسية ووطنية، وذلك دأب الظالمين مع أهل الحق، إذا وعظوهم أو ذكروهم أو أمروهم أو نهوهم فإنهم يتهمونهم في نياتهم، ويثيرون عليهم شتى العواطف، ثم قال فرعون لموسى فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً أي يوما نجتمع نحن وأنت فيه، فنعارض ما جئت به بما عندنا من السحر في مكان معين، ووقت معين لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً أي مستويا لا يغيب فيه شئ شيئا آخر، من أجل أن يرى الناس جميعا ما يحدث