هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ يعنى: يهود بني النضير مِنْ دِيارِهِمْ حول المدينة المنورة لِأَوَّلِ الْحَشْرِ قال النسفي: (ومعنى أول الحشر أن هذا أول حشرهم إلى الشام ... أو هذا أول حشرهم، وآخر حشرهم إجلاء عمر إياهم من خيبر إلى الشام) أقول: هذا كلام من لم يدرك حشرهم الجديد في فلسطين وبلاد الشام فلعل المراد بقوله تعالى: لِأَوَّلِ الْحَشْرِ الإشارة أن لهم حشرا أي: جمعا وجمعا وجمعا فيما بعد ذلك في بلاد الشام، وأن ما حدث لبني النضير هو أول هذه الظاهرة، وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بأول الحشر أي: أول المكان الذي سيحشر فيه الناس يوم القيامة، أي: أول بلاد الشام. وهناك اتجاه آخر في التفسير معناه: أن الله عزّ وجل أخرج هؤلاء من ديارهم لأول حشد حشده رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم أي: لأدناه، والمعنى الأول أولى ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا قال النسفي:
أي: لشدة بأسهم ومنعتهم ووثاقة حصونهم وكثرة عددهم وعدتهم وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ أي: وظنوا أن حصونهم تمنعهم من بأس الله، والتركيب يدل على فرط وثوقهم بحصانتها ومنعها إياهم، كما يدل على شدة اعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة لا يبالى معها بأحد يتعرض لهم، أو يطمع في غزوهم، ذكر ذلك كله النسفي وبرهن عليه فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا أي: من حيث لم يظنوا ولم يخطر ببالهم وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ قال ابن كثير: أي: الخوف والهلع والجزع، وكيف لا يحصل لهم ذلك وقد حاصرهم الذي نصر بالرعب مسيرة شهر صلوات الله وسلامه عليه يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ قال النسفي:
(والذي دعاهم إلى التخريب حاجتهم إلى الخشب والحجارة ليسدوا بها أفواه الأزقة، وأن لا يتحسروا بعد جلائهم على بقائها مساكن للمسلمين، وأن ينقلوا معهم ما كان في أبنيتهم من جيد الخشب والساج، وأما المؤمنون فداعيهم إلى التخريب إزالة متحصنهم، وأن يتسع لهم مجال الحرب، ومعنى تخريبهم لها بأيدي المؤمنين: أنهم لما عرضوهم بنكث العهد لذلك وكانوا السبب فيه فكأنهم أمروهم به وكلفوهم إياه) فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ قال النسفي: (أي: فتأملوا فيما نزل بهؤلاء والسبب الذي
استحقوا به ذلك فاحذروا أن تفعلوا مثل فعلهم فتعاقبوا بمثل عقوبتهم وهذا دليل