والضر، ويدخل في البؤس القحط، والجوع، وفي الضر المرض، ونقصان الأنفس، والأولاد لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ. أي: يتذللون، ويتخشّعون لربّهم، ويتوبون عن ذنوبهم إذ المفروض أن تتخشّع النّفوس عند نزول الشدائد
فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا. أي: هلّا تضرعوا بالتّوبة عند إنزال البأساء والضّراء بهم، وهذا يفيد نفي التضرع وإنما استعملت (لولا) في هذا المقام ليفيد أنه لم يكن لهم عذر في ترك التضرع إلا عنادهم وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ فلم ينزجروا بما ابتلوا به بل زادوا عتوا بدلا من أن يتضرعوا وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فصاروا معجبين بأعمالهم على قبحها وسوئها كما نرى المنحرفين عن أمر الله- وما أكثرهم- يسمّون انحرافهم أسماء تدل على عجبهم وافتخارهم بما هم فيه من ضلال
فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ من الوحي والبأساء والضراء أي: تركوا الاتعاظ به؛ ولم يزجرهم؛ فأعرضوا عنه، وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ من الصّحة، والسّعة، وصنوف النعمة، ورخاء الدنيا، ويسرها من جاه ورفاه ومجد، وهذا استدراج منه تعالى، وإملاء لهم عياذا بالله من مكره حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا.
أي: من الأموال والأولاد والأرزاق والجاه وتيسير الأمور أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً. أي:
على غفلة أي فجأة فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ. أي: آيسون من كل خير ومتحسرون، وأصل الإبلاس: الإطراق حزنا لما أصاب الإنسان أو ندما على ما فاته
فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا. أي: أهلكوا عن آخرهم، ولم يترك منهم أحد إذ عند ما يقطع دابرهم لا يبقى منهم أحد وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ هذا إيذان بوجوب الحمد لله عند هلاك الظلمة، وأنه من أجلّ النعم وأجزل القسم، أو احمدوا الله على إهلاك من لم يحمد الله.
ومن الآيات نعرف كما قال صاحب الظلال:
إن الرخاء ابتلاء آخر كابتلاء الشدة، وهو مرتبة أشد وأعلى من مرتبة الشدة! والله يبتلي بالرخاء كما يبتلي بالشدة. يبتلي الطائعين والعصاة سواء. بهذه وبذاك سواء ..
والمؤمن يبتلى بالشدة فيصبر، ويبتلى بالرخاء فيشكر، ويكون أمره كله خيرا .. وفي الحديث:«عجبا للمؤمن إن أمره كله له خير- وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن- إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له»(رواه مسلم).