للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صحة ما جاءهم به لما اتبعوه وتركوا أهواءهم، كما في الآية إخبار عن شدة متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم لما أمره الله تعالى به، وأنه مستمسك بأمر الله وطاعته، واتباع مرضاته، وأنه لا يتبع أهواءهم في جميع أحواله. وفي الآية تحذير العالم من مخالفة الحق الذي يعلمه إلى الهوى. فإن العالم الحجة عليه أقوم من غيره.

وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ لأن تركهم المتابعة ليس عن شبهة تزيلها بإيراد الحجة. إنما هو عن مكابرة وعناد. وفي النص برهان قاطع على أن التوجه إلى الكعبة هو الحق وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ. هذا حسم لأطماعهم، إذ كانوا اضطربوا في ذلك، وقالوا لو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن يكون صاحبنا الذي ننتظره. وطمعوا فى رجوعه إلى قبلتهم. ووحدت القبلة فى النص مع أنهما قبلتان: قبلة لليهود، وقبلة للنصارى لاتحادهم فى البطلان وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ أي مع إنهم مع اتفاقهم على مخالفتك مختلفون في شأن القبلة لا يرجى اتفاقهم كما لا ترجى موافقتهم لك فاليهود تستقبل بيت المقدس، والنصارى مطلع الشمس.

وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ أي من بعد وضوح البرهان والإحاطة بأن القبلة هي الكعبة. وأن دين الله هو الإسلام إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ أي لمن المرتكبين الظلم الفاحش. وفي ذلك لطف للسامعين وتهييج للثبات على الحق، وتحذير لمن يترك الدليل بعد إنارته، ويتبع الهوى. والخطاب في الظاهر للنبي عليه الصلاة والسلام والمراد أمته. وقد لزم الوقف على الظالمين في الآية. إذ ليس الَّذِينَ بعدها صفة لها.

الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ. وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ.

يخبرنا تعالى أن علماء أهل الكتاب يعرفون صحة ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم كما يعرف أحدهم ولده من بين أبناء الناس كلهم. والعرب تضرب المثل في صحة الشئ بهذا. ثم أخبر تعالى أنهم مع هذا التحقق والإتقان العلمي ليكتمون الناس ما في كتبهم من صفة النبي صلى الله عليه وسلم. ثم ثبت تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. وأخبرهم بأن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك. الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ أي محمدا عليه الصلاة والسلام، أو القرآن، أو تحويل القبلة، والأول أظهر كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: «أنا أعلم به مني

<<  <  ج: ص:  >  >>