في الآية الأولى: بيان أن تحصيل حقيقة البر بأن يكون الإنسان برا لا يكون إلا بالإنفاق مما يحبه الإنسان ويؤثره، طعاما أو غيره، ثم بين الله- عزّ وجل- أن أي نفقة ننفقها فإن الله يعلم ذلك ويجازينا عليها. فالربانية وكمال العبودية في تحقق الإنسان بالبر، وهذا لا يكون إلا بالإنفاق مما يحبه الإنسان.
وإذا كان مظهرا من مظاهر اتخاذ غير الله ربا تحريم الحلال وتحليل الحرام، فقد ذكر الله في هذا السياق موضوعا متعلقا بالحل والحرمة في أهم قضية يكون فيها التحليل والتحريم، قضية الطعام. فقد بين الله- عزّ وجل- أن الطعام كله كان حلالا لبني إسرائيل، إلا ما حرم إسرائيل على نفسه، من لحوم الإبل وألبانها، ثم نزلت التوراة فحرمت ما حرمت. وفي ذلك إشارة إلى موضوع النسخ الذي تنكره اليهود، وهو واقع في شريعتهم وعندهم، ثم تحداهم الله- عزّ وجل- أن يأتوا بالتوراة ليثبتوا خلاف ما يذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن، ثم بين الله- عزّ وجل- أنه من كذب على الله فإنه هو الظالم، وأي ظلم أكبر من الكذب على الله- عزّ وجل-.
وفي الآية الرابعة يأمر الله- عزّ وجل- رسوله أن يقول: صدق الله فيما أخبر به، وفيما شرعه في القرآن، وبناء عليه فاتبعوا ملة إبراهيم التي شرعها الله في القرآن على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فإنه الحق لا شك فيه، ولا مرية. وهي الطريقة التي لم يأت نبي بأكمل منها، ولا أبين ولا أوضح. ثم بين أن إبراهيم لم يكن من المشركين. وفي ذكر هذا هنا دليل على ارتباط هذه الآيات في أول القسم حيث ذكر إبراهيم. وإذ ذكر إبراهيم في هذا القسم كثيرا، وذكرت ملته، والحج إلى مكة مرتبط بإبراهيم وملته، يخبر تعالى أن أول بيت وضع لعموم الناس لعبادتهم، ونسكهم، يطوفون به، ويصلون إليه، ويعتكفون عنده، هو الكعبة التي بناها إبراهيم الخليل عليه السلام، والذي يزعم كل من طائفتي النصارى واليهود أنهم على دينه ومنهجه، ولا يحجون إلى البيت الذي بناه بأمر من الله، ودعا الناس إلى حجه، وقد جعله الله مباركا وهداية للعالمين. هذا البيت الذي فيه علامات واضحات، لا تلتبس على أحد أنه من بناء إبراهيم، وأن الله عظمة وشرفه، من هذه الآيات مقام إبراهيم الذي قام عليه يوم بنى الكعبة، وهو حجر