ويشوهوه، ودينهم ما كانوا عليه من دين إسماعيل، حتى زلّوا عنه إلى الشرك وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ لأن شيئا ما لا يكون إلا بمشيئة الله، فالكائنات كلها بمشيئته فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ. أي: فدعهم وما يختلقونه من الإفك، أو فدعهم وافتراءهم، لأنّ ضرر ذلك الافتراء عليهم، لا عليك ولا علينا
وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ. أي: للأصنام حِجْرٌ أي حرام لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ الزعم: قول بالظن يشوبه الكذب، وكانوا إذا عيّنوا أشياء من حرثهم وأنعامهم لآلهتهم قالوا: لا يطعمها إلا من نشاء، ثم لا يطعمونها إلا خدم الأوثان، والرجال دون النساء وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها هي البحائر، والسوائب، والحوامي وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا حالة الذبح، وفي حالات أخرى، وإنما يذكرون- إن ذكروا- أسماء الأصنام افْتِراءً عَلَيْهِ. أي: قسّموا أنعامهم فقسم حجر، وقسم لا يركب، وقسم لا يذكر اسم الله عليها، ونسبوا ذلك إلى الله افتراء عليه سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ هذا وعيد لهم
وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا كانوا يقولون في أجنة البحائر والسوائب: ما ولد منها حيا فهو خالص للذكور لا يأكل منه الإناث، وما ولد ميتا اشترك فيه الذكور والإناث فهذا معنى قوله تعالى وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ. أي: سيجزيهم جزاء وصفهم الكذب على الله في التحليل والتحريم إِنَّهُ حَكِيمٌ في جزائهم عَلِيمٌ باعتقادهم
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ إشارة إلى الذين كانوا يئدون بناتهم مخافة السبي والفقر سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ لخفة أحلامهم وجهلهم بأن الله هو رازق أولادهم لا هم وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ من البحائر والسوائب وغيرها افْتِراءً عَلَى اللَّهِ إذ نسبوا ذلك إليه قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ إلى الصواب في تحريمهم، وبهذا انتهت الفقرة الثالثة، وبها انتهى المقطع.
فوائد:[حول آيات الفقرة الثالثة]
١ - روى ابن مردويه في تفسير الآية الأخيرة عن ابن عباس قال: إذا سرّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من سورة الأنعام قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ. وهكذا رواه البخاري في صحيحه.