للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخرى ومشاعر أخرى غير مشاعر التشدد والتعنت والتعقيد والتقبض.

ولقد كانت طبيعة بني إسرائيل- بصفة خاصة- بعد ما أفسدها طول الذل والعبودية في مصر، تحتاج إلى هذا التوجيه لذلك نلحظ أن كل الأوامر لبني إسرائيل كانت مصحوبة بمثل هذا التشديد وهذا التوكيد، تربية لهذه الطبيعة الرخوة الملتوية المنحرفة الخاوية، على الاستقامة والجد والوضوح والصراحة .. ومثل طبيعة بني إسرائيل كل طبيعة تعرضت لمثل ما تعرضوا له من طول العبودية والذل، والخضوع للإرهاب والتعبد للطواغيت فبدت عليها أعراض الالتواء والاحتيال، والأخذ بالأسهل تجنبا للمشقة .. كما هو الملحوظ في واقع كثير من الجماعات البشرية التي نطالعها في زماننا هذا، والتي تهرب من العقيدة لتهرب من تكاليفها، وتسير مع القطيع، لأن السير مع القطيع لا يكلفها شيئا.».

وقال عند قوله تعالى سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ: (وفي مقابل أخذ هذا الأمر بقوة يعد الله موسى وقومه أن يمكن لهم في الأرض، ويورثهم دار الفاسقين عن دينه:

سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ والأقرب أنها إشارة إلى الأرض المقدسة التي كانت- في ذلك الزمان- في قبضة الوثنيين وإنها بشارة لهم بدخولها .. وإن كان بنو إسرائيل لم يدخلوها في عهد موسى- عليه السلام- لأن تربيتهم لم تكن قد استكملت، وطبيعتهم تلك لم تكن قد قومت فوقفوا أمام الأرض المقدسة يقولون لنبيهم: يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها، فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ ...

ثم لما ألح عليهم الرجلان المؤمنان فيهم اللذان يخافان الله في الدخول والاقتحام. أجابوا موسى بتوقح الجبان- كالدابة التي ترفس سائقها: قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها، فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ ... مما يصور تلك الطبيعة الخائرة المفككة الملتوية التي كانت تعالجها العقيدة والشريعة التي جاء بها موسى عليه السلام، وأمر هذا الأمر الإلهي الجليل أن يأخذها بقوة، وأن يأمر قومه بحمل تكاليفها الشاقة.). ولنعد إلى التفسير الحرفي:

سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فهم بعضهم أن هذا الخطاب لهذه الأمة. وقال ابن كثير: ليس هذا بلازم لأن ابن عيينة إنما أراد أن هذا مطرد في حق كل أمة، ولا فرق بين أحد وأحد في هذا، وأقول: هو لبني إسرائيل كما أنه لكل إنسان فهي سنة من سنن الله عزّ وجل. والصرف عن الآيات المنع عن فهمها،

<<  <  ج: ص:  >  >>