للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل النار، وكذا قال قتادة ومجاهد، وقال مقاتل بن حيان لا غبن أعظم من أن يدخل هؤلاء إلى الجنة، ويذهب بأولئك إلى النار)، وقال الألوسي في قوله تعالى: ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ: (أخرج عبد بن حميد عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة أنهم قالوا:

يوم غبن فيه أهل الجنة أهل النار، فالتفاعل فيه ليس على ظاهره كما في التواضع والتحامل لوقوعه من جانب واحد، واختير للمبالغة، وإلى هذا ذهب الواحدي. وقال غير واحد: أي: يوم غبن فيه بعض الناس بعضا، بنزول السعداء منازل الأشقياء لو كانوا سعداء، وبالعكس، ففي الصحيح: «ما من عبد يدخل الجنة إلا أري مقعده من النار لو أساء؛ ليزداد شكرا، وما من عبد يدخل النار إلى أري مقعده من الجنة لو أحسن؛ ليزداد حسرة» وهو مستعار من تغابن القوم في التجارة، وفيه تهكم بالأشقياء لأنهم يغبنون حقيقة السعداء، بنزولهم في منازلهم من النار، أو جعل ذلك تغابنا مبالغة على طريق المشاكلة، فالتفاعل على هذا القول على ظاهره وهو حسن، إلا أن التغابن فيه تغابن السعداء والأشقياء على التقابل، والأحسن الإطلاق، وتغابن السعداء على الزيادة ثبت في الصحاح، واختار ذلك محيي السنة حيث قال: التغابن تفاعل من الغبن وهو فوت الحظ، والمراد بالمغبون من غبن في أهله ومنازله في الجنة، فيظهر يومئذ غبن كل كافر بترك الإيمان وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان)، قال ابن كثير: (وقد فسر ذلك (أي: التغابن) بقوله تعالى: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) وقد تقدم تفسير مثل هذه غير مرة.

[كلمة في السياق]

أمر الله عزّ وجل في هذا المطلب بتذكر يوم القيامة، وما يكون فيه من تغابن حيث يغبن الكافرون المكذبون، ويربح المؤمنون العاملون، وفي تحديد صفات الرابحين والخاسرين أمر بتلك الصفات، وتنفير من هذه الصفات، وهذا الأمر مبني على ما ورد في مقدمة السورة من معان، أي: فبسبب من إنصاف الله بما ذكر، وبسبب من المعاني التي ذكرتم بها من انقسام البشر إلى كافر ومؤمن؛ فتذكروا يوم القيامة وما يكون فيه، وآمنوا واعملوا لتكونوا من الرابحين، ولا تكونوا من الخاسرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>