١ - [كلام الألوسي وصاحب الظلال وابن كثير عند آية فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا .. ]
قال الألوسي في الفاء في قوله تعالى: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً: (والفاء للتعقيب، فالمتبادر أنّه عليه السلام لبث في قومه عقيب الإرسال المدّة المذكورة، وقد جاء مصرّحا به في بعض الآثار ... ) ثمّ بعد كلام قال الألوسي:
(وقال ابن عطية: يحتمل أن يكون ما ذكر الله عزّ وجل مدة إقامته عليه السلام من لدن مولده إلى غرق قومه، وقيل: يحتمل أن يكون ذلك جميع عمره عليه السلام، ولا
يخفى أن المتبادر من الفاء التعقيبية ما تقدم؛ وجاء في بعض الآثار أنه عليه السلام أطول الأنبياء عليهم السلام عمرا. أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الدنيا عن أنس ابن مالك قال:«جاء ملك الموت إلى نوح عليهما السلام فقال: يا أطول النبيين عمرا كيف وجدت الدنيا ولذتها؟ قال: كرجل دخل بيتا له بابان فقال وسط الباب هنيهة، ثم خرج من الباب الآخر»، ولعل ما عليه النظم الكريم في بيان مدة لبثه عليه السلام للدلالة على كمال العدد، وكونه متعينا نصا دون تجوز، فإن تسعمائة وخمسين قد يطلق على ما يقرب منه، ولما في ذكر الألف من تخييل طول المدة، لأنها أول ما تقرع السمع، فإن المقصود من القصة تسلية رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وتثبيته على ما كان عليه من مكابدة ما يناله من الكفرة، وإظهار ركاكة رأي الذين يحسبون أنهم يتركون بلا ابتلاء، واختلاف المميزين لما في التكرير في مثل هذا الكلام من البشاعة، والنكتة في اختيار السنة أولا: أنها تطلق على الشدة، والجدب، بخلاف العام، فناسب اختيار السنة لزمان الدعوة الذي قاسى عليه السلام فيه ما قاسى من قومه).
وقال صاحب الظلال:
(والراجح أن فترة رسالته عليه السلام التي دعا فيها قومه كانت ألف سنة إلا خمسين عاما. وقد سبقتها فترة قبل الرسالة غير محددة، وأعقبتها فترة كذلك بعد النجاة من الطوفان غير محددة. وهو عمر طويل مديد، يبدو لنا الآن غير طبيعي ولا مألوف في أعمار الأفراد. ولكننا نتلقّاه من أصدق مصدر في هذا الوجود- وهذا وحده برهان صدقه- فإذا أردنا له تفسيرا فإننا نستطيع أن نقول: إن عدد البشرية يومذاك كان قليلا ومحدودا، فليس ببعيد أن يعوض الله هذه الأجيال عن كثرة العدد