وضالين، وأن الذين استحقوا الضلال هم الموصوفون بالصفات المذكورة، وهاهنا في سورة الرعد بدأ المقطع الثاني بالحديث عن الله، وعلمه المحيط، وعظمته وعنايته بالإنسان، وقانونه العادل في خلقه. ثم تحدث عن مظاهر من قدرته وعظمته وانتقامه، ثم ضرب مثلا لمن يعبده ويعبد غيره، ثم قرر خضوع الخلق كلهم له، ثم قرر ربوبيته ووحدانيته وقهره، ثم ضرب مثلا للحق الذي أنزله ووقعه في القلوب، وحال القلوب معه، واستحقاق هذا الحق للبقاء والمكث في الأرض، ليوصلنا بذلك كله إلى ما أعد للمسلمين له، وما أعد للرافضين هداه، ثم ليقارن بين الذين علموا الحق والذين لا يعلمونه، وبين صفات الذين علموا الحق واستجابوا له، وصفات الذين رفضوا الحق ولم يستجيبوا له، وهي نفس الصفات المذكورة في سورة البقرة الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ ... فالمقطع إذن تفصيل لآيتي سورة البقرة اللتين هما محور هذه السورة، إن معرفة الله توصل إلى أنه هو وحده الذي يعلم الحق، وهو الذي ينزله ويبينه. ولكن الناس يختلفون في موقفهم منه، فيقبله بعضهم ويرفضه آخرون، والبقاء الحقيقي للحق وحده، والثواب الحقيقي والجزاء الصارم إنما يكونان يوم القيامة، والذين يستجيبون للحق لهم مواصفاتهم، والذين لا يستجيبون لهم مواصفاتهم. فلنر كيف عرضت المعاني فيما تبقى من المقطع:
لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى أي: الجنة ورضوان الله تعالى للذين أطاعوا الله ورسوله، وانقادوا لأوامره وصدقوا وحيه وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ برفضهم هديه لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أي لو ملكوا أموال الدنيا وملكوا معها مثلها لبذلوه ليدفعوا عن أنفسهم عذاب الله، وأنى لهم ذلك، ومع بعد ذلك عنهم فإن الله لا يتقبل منهم أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ أي في الدار الآخرة، أي يناقشون على النقير والقطمير والجليل والحقير، ومن نوقش الحساب عذب وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ أي ومرجعهم بعد المحاسبة النار وَبِئْسَ الْمِهادُ أي وبئس المكان الممهد جهنم،
ثم قارن الله عزّ وجل بين الفريقين فقال: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى أي لا يستوي من يعلم من الناس أن الذي أنزل إليك يا محمد من ربك هو الحق الذي لا شك فيه ولا مرية ولا لبس فيه ولا اختلاف فيه، بل هو كله حق يصدق بعضه بعضا، لا يضاد شئ منه شيئا آخر، فأخباره كلها حق، وأوامره ونواهيه عدل، لا يستوي من كان كذلك ومن هو أعمى لا يهتدي إلى خير ولا يفهمه، ولو فهمه ما انقاد له ولا صدقه