كثير:(أي: ليس ذلك إليك إنما عليك البلاغ، وليس عليك هداهم، ولكنّ الله يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، وهو الحكم العدل»
ثم قال تعالى: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ أي: نتوفينّك قبل أن ننصرك عليهم، ونشفي صدور المؤمنين منهم فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ أشدّ الانتقام في الدنيا والآخرة. قال ابن كثير: أي: لا بد أن ننتقم منهم ونعاقبهم ولو ذهبت أنت
أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ من العذاب الدنيوي قبل أن نتوفاك فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ أي: قادرون. أي: نحن قادرون على هذا وهذا
فَاسْتَمْسِكْ أي: فتمسّك بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ وهو القرآن واعمل به إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أي: على الدين الذي لا عوج له. قال ابن كثير:
(أي: خذ بالقرآن المنزل على قلبك، فإنّه هو الحق، وما يهدي إليه هو الحق، المفضي إلى صراط الله المستقيم، الموصل إلى جنات النعيم والخير الدائم المقيم).
[كلمة في السياق]
تلاحظ أن السورة بعد أن أقامت الحجة على الكافرين في أن هذا القرآن من عند الله، وأنه لا ريب فيه، وأقامت الحجة على الكافرين في عقائدهم ومواقفهم، توجهت بالخطاب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، وممّا تضمّنه الخطاب أن هؤلاء المعرضين عن كتاب الله صمّ وعمي، ويستحقون العذاب، سواء كان ذلك في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلم أو بعد مماته. ثم أصدر الله أمره لرسوله صلّى الله عليه وسلم بالاستمساك بهذا القرآن، وكان ذلك هو الجسر الذي يعود السياق به للحديث عن هذا القرآن، وخصائصه التي تقتضي الإيمان به، وعدم الريب، فقد رأينا أنّه بعد مقدّمة السورة جاء قوله تعالى: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ. والآن يأتي قوله تعالى: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ.
وكان الجسر الذي وصل بين نهاية المقطع السابق وبداية المقطع الجديد هو قوله تعالى: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ مما يدلّ على أن السياق الرئيسي للسورة هو الكلام عن القرآن، مما يؤكد أن محور السورة هو ما ذكرناه وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ .. والآيات الأخيرة بيّنت أن على صاحب الدعوة في كل حال أن يستمسك بالوحي الذي أنزل عليه، فالسورة تعالج الريب، وتعالج الكفر، وتوجّه صاحب الدعوة.