للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لضرب هذا المثل إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ آلهة باطلة لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ أي لخلق الذباب، دل على أن خلق الذباب منهم مستحيل، وتخصيص الذباب بالذكر لمهانته وضعفه واستقذاره، أي لو اجتمع جميع ما تعبدون من الأصنام والأنداد على أن يقدروا على خلق ذبابة واحدة ما قدروا على ذلك وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ أي هذا الخلق الأذل لو اختطف منهم شيئا فاجتمعوا على أن يستخلصوه منه لم يقدروا، وبهذا تم المثل، فهم عاجزون عن خلق ذبابة واحدة، بل أبلغ من ذلك إن هذه الآلهة عاجزة عن مقاومة الذباب، والانتصار منه، حتى لو سلبها الذباب شيئا مما عليها ثم أرادت أن تستنقذه منه لما قدرت على ذلك هذا والذباب من أضعف مخلوقات الله وأحقرها ضَعُفَ الطَّالِبُ أي الصنم أو الإله المزعوم يطلب ما سلب منه وَالْمَطْلُوبُ أي الذباب بما سلب، وهذا كالتسوية بينهم وبين الذباب في الضعف، ولو حققت وجدت الطالب أضعف وأضعف، فإن الذباب غالب، وذاك مغلوب، فكيف يعبد من هذا شأنه، ولنا عودة على هذا الموضوع في الفوائد

ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ أي ما عرفوه حق معرفته، حيث جعلوا هذا الصنم الضعيف أو غيره من الآلهة المزعومة شريكا له قال ابن كثير: أي ما عرفوا قدرة الله وعظمته، حين عبدوا معه غيره من هذه التي لا تقاوم الذباب لضعفها وعجزها إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ أي إن الله قادر وغالب، فكيف يتخذ العاجز المغلوب شبيها به. أو لقوي ينصر أولياءه، عزيز ينتقم من أعدائه، أو هو القوي الذي بقدرته وقوته خلق كل شئ، العزيز الذي قد عز كل شئ فقهره وغلبه، فلا يمانع ولا يغالب لعظمته وسلطانه، وهو الواحد القهار،

وبعد أن أبطل الله ألوهية غيره وأبطل عبادة غيره قال تعالى اللَّهُ يَصْطَفِي أي يختار مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا كجبريل وميكائيل وإسرافيل وغيرهم وَمِنَ النَّاسِ أي يصطفي رسلا كإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لقولهم بَصِيرٌ بمن يختاره لرسالته، أو سميع لأقوال الرسل فيما تقبله العقول، بصير بأحوال الأمم في الرد والقبول

يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ أي ما أمام الرسل وَما خَلْفَهُمْ أي ما وراءهم أو ما عملوه وما سيعملونه وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ إليه مرجع الأمور كلها، دنيوية وأخروية، إن ذكر اصطفاء الله الرسل بعد أن أبطل ألوهية غيره وعبادة غيره فيه إشارة إلى أن الطريق الوحيد لمعرفته وعبادته وتقواه هو اتباع الرسل، ومن ثم فبعد أن قرر اصطفاءه الرسل توجه بالنداء إلى أهل الإيمان الذين آمنوا بالله ورسله،

<<  <  ج: ص:  >  >>