(أخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير- رضي الله تعالى عنهم- أنها نزلت بالمدينة، وهو قول الضحاك، وقيل كلها مكية. وأخرج أبو جعفر النحاس عن مجاهد عن ابن عباس أنها مكية سوى ثلاث آيات هذانِ خَصْمانِ إلى تمام الآيات الثلاث فإنها نزلت بالمدينة، وفي رواية عن ابن عباس إلا أربع آيات هذانِ خَصْمانِ إلى قوله تعالى: عَذابَ الْحَرِيقِ.
وأخرج ابن المنذر عن قتادة أنها مدنية غير أربع آيات وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلى عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ فإنها مكيات، والأصح القول بأنها مختلطة، فيها مدني ومكي، وإن اختلف في التعيين وهو قول الجمهور، وعدة آياتها ثمان وسبعون في الكوفي، وسبع وسبعون في المكي، وخمس وسبعون في البصري، وأربع وسبعون في الشامي. ووجه مناسبتها للسورة التي قبلها ظاهر، وجاء في فضلها ما أخرجه أحمد وأبو داود. والترمذي وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال:
قلت: يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين؟ قال:«نعم فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما»، والروايات في أن فيها سجدتين متعددة مذكورة في الدر المنثور، نعم أخرج ابن أبي شيبة من طريق العريان المجاشعي عن ابن عباس قال: في الحج سجدة واحدة وهي الأولى كما جاء في رواية).
[وقال صاحب الظلال في تقديمه لسورة الحج]
(هذه السورة مشتركة بين مكية ومدنية، كما يبدو من دلالة آياتها، وعلى الأخص آيات الإذن بالقتال. وآيات العقاب بالمثل. فهي مدنية قطعا. فالمسلمون لم يؤذن لهم في القتال والقصاص إلا بعد الهجرة. وبعد قيام الدولة الإسلامية في المدينة، أما قبل ذلك فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بايعه أهل يثرب، وعرضوا عليه أن يميلوا على أهل منى من الكفار فيقتلوهم:«إني لم أومر بهذا» حتى إذا صارت المدينة دار إسلام شرع الله القتال لرد أذى المشركين عن المسلمين والدفاع عن حرية العقيدة، وحرية العبادة للمؤمنين).