أوقدوا فيه نارا، حتى إذا أكلت لحمي، وخلصت إلى عظمي فامتحشت، فخذوها فدقّوها فذروها في اليم، ففعلوا فجمعه الله تعالى إليه ثم قال له: لم فعلت ذلك؟ قال من خشيتك، فغفر الله عزّ وجل له» فقال عقبة بن عمرو: وأنا سمعته صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول ذلك وكان نباشا. وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الملك بن عمير بألفاظ كثيرة منها أنه أمر بنيه أن يحرقوه، ثم يسحقوه، ثم يذروا نصفه في البر، ونصفه في البحر في يوم رائح- أي كثير الهواء- ففعلوا ذلك، فأمر
الله تعالى البحر فجمع ما فيه، وأمر البر فجمع ما فيه، ثم قال له: كن فإذا هو رجل قائم، فقال له ما حملك على ما صنعت؟ قال: مخافتك وأنت أعلم؛ فما تلافاه أن غفر له).
٤ - [اتجاه آخر في تفسير آية الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً وتعليق المؤلف]
هناك اتجاه آخر غير الذي ذكرناه في قوله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً ذكره ابن كثير ووجه على ضوئه النسفي الآية. قال ابن كثير:(وقيل المراد بذلك شجر المرخ والعفار ينبت في أرض الحجاز فيأتي من أراد قدح نار وليس معه زناد فيأخذ منه عودين أخضرين، ويقدح أحدهما بالآخر، فتتولد النار من بينهما كالزناد سواء، وروي هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفي المثل:
لكل شجر نار واستمجد المرخ والعفار، وقال الحكماء في كل شجر نار إلا العناب).
قال النّسفي:
(ذكر من بدائع خلقه انقداح النار من الشجر الأخضر مع مضادة النار للماء، وانطفائها به، وهي الزناد التي توري بها الأعراب، وأكثرها من المرخ والعفار وفي أمثالهم في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار، لأن المرخ: شجر سريع الورى، والعفار شجر تقدح منه النار، يقطع الرجل منهما غصنين مثل السواكين، وهما خضراوان، يقطر منهما الماء فيسحق المرخ- وهو ذكر- على العفار- وهي أنثى- فتنقدح النار بإذن الله، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ليس من شجرة إلا وفيها النار، إلا العناب لمصلحة الدق للثياب، فمن قدر على جمع الماء والنار في الشجر قدر على المعاقبة بين الموت والحياة في البشر، وإجراء أحد الضدين على الآخر بالتعقيب أسهل في العقل من الجمع معا بلا ترتيب).
أقول: العنّاب لا نار فيه بمعنى: أنك مهما حككته ببعضه لا يتولّد منه نار وليس