حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ .. وتنتهي ومضة الحياة الدنيا وتنطوي صفحتها الصغيرة .. ثم يمتد الزمن بعد ذلك وتمتد الأثقال؛ ويقوم الأداء التعبيري ذاته بهذا الإيحاء. فتتسق الحقيقة مع النسق التعبيري الفريد ..
وما يقرأ الإنسان هذه السورة الجليلة الرهيبة العميقة، بإيقاعاتها الصاعدة الذاهبة في الفضاء إلى بعيد في مطلعها، الرصينة الذاهبة إلى القرار العميق في نهايتها .. حتى
يشعر بثقل ما على عاتقه من أعقاب هذه الحياة الوامضة التي يحياها على الأرض، ثم يحمل ما يحمل منها ويمضي به مثقلا في الطريق!
ثم ينشئ يحاسب نفسه على الصغير والزهيد!).
[كلمة في سورة التكاثر ومحورها]
بعد مقدمة سورة البقرة يأتي قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. فالآيتان أمرتا بعبادة الله معللتان لذلك بأنه الخالق المنعم، ولكن كم من الناس يستجيبون لهذا الأمر؟ لا شك أن القليل هم المستجيبون، بدليل قوله تعالى:
وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ وحتى هذا القليل تلهيه الدنيا عن القيام بالشكر حق الشكر، وقد جاءت سورة التكاثر لتحدثنا عن انشغال الكثير من الخلق بالدنيا، ولم تحدد السورة هذا الانشغال عن ماذا. بل حددت بماذا. والسياق يعرفنا عن ماذا كان الانشغال ومحور السورة يحدده كذلك، وهو الانشغال عن عبادة الله عزّ وجل وتقواه، وهذا أول مظهر من مظاهر صلة سورة التكاثر بمحورها. وتنتهي سورة التكاثر بقوله تعالى: ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ وقد رأينا أن آيتي المحور حدثتنا عن نعم الله علينا وطالبتنا بناء على ذلك بالعبادة والتقوى والتوحيد، ولكن كثيرين لا يفعلون ذلك فهم يتنعمون ولا يشكرون، ومن ثم أنذرت سورة التكاثر بأن السؤال عن النعيم كائن، وهذا كذلك من مظاهر صلة سورة التكاثر بمحورها من سورة البقرة.
وكما أن للسورة صلتها الواضحة بمحورها فلها صلتها الواضحة بما قبلها، فسورة