بعد مقدمة سورة البقرة التي تحدثت عن المتقين والكافرين والمنافقين، جاءت آيات خمس تأمر بعبادة الله كطريق إلى التقوى، وتنهى عن الشرك، وتحرر من الريب، وتنذر الكافرين، وتبشر المؤمنين الصالحين، فرسمت بذلك الطريق للوصول إلى التحقيق بالتقوى، ومن التقوى الاهتداء بالقرآن، والإيمان بالغيب، وإقام الصلاة، والإنفاق في سبيل الله، وقد جاءت المقاطع الأربعة الأخيرة تعمق في موضوع التقوى، فبينت أن من التقوى طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وطاعة أولي الأمر من المسلمين، ومن التقوى القتال في سبيل الله، ومن التقوى الحكم بكتاب الله وعدم الجدال عن الخائنين، ومن الملاحظ أنه قد ورد في أواخر المقاطع الأربعة قوله تعالى: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وكان في المقطع حديث عن الإيمان والعمل الصالح وبشارة لأهلهما وكان فيه إنذار للكافرين وفضح للمنافقين.
قلنا من قبل: إن سورة النساء تفصل في محورها من سورة البقرة وهي الآيات الخمس وفي امتدادات هذا المحور في السورة:
ومن امتدادات هذا المحور في السورة قضايا القتال، وقضايا المرأة، وقضايا الصلاة، وقضايا الشهادة، وقد رأينا تفصيلات كثيرة لذلك في سورة النساء. ومن أبرز مظاهر هذه الصلة: أن صلاة الخوف في سورة البقرة جاءت في ثنايا الكلام عن قضايا النكاح والطلاق، والملاحظ أن صلاة الخوف في سورة النساء قد جاء بعد مقطعها المقطع الذي فيه الاستفتاء عن النساء، وفيه ذكر لمواضيع الوفاق والفراق. وهذا يؤكد ما ذكرناه من قبل: بأن لكل سورة من القرآن محورها في سورة البقرة، وأن السورة تفصل في هذا المحور وفي امتدادات معانيه الأشد لصوقا به؛ فهي تجذب المعاني الأشد لصوقا في المحور إلى المحور، ثم تفصل وتوضح وتكمل وتؤصل وتفرع وتذكر، وكل ذلك على ترتيب خاص، ومن خلال سياق خاص للسورة الواحدة.
فأنت ترى كيف أن سورة النساء تتألف من مقاطع، وكل مقطع له وحدته، وللسورة كلها سياقها الخاص الجامع، وكل ذلك مرتبط بالمحور.
فالسورة تبدأ بالأمر بتقوى الله الذي خلق النساء والرجال، وتبدأ بالأمر باتقاء الأرحام، ثم تسير في تبيان أحكام لها صلة بالأسرة، ولها صلة بالنساء والرجال،