بتبيان ما فيه الخسارة، وانتهى بتبيان ما فيه الفلاح، ودلنا فيما بين ذلك على ما يوضح قضية الخسران، وعلى ما به يتوصل إلى الفلاح. وقضية الفلاح والخسارة، واضحتان في مقدمة سورة البقرة، فالصلة بين القسم ومقدمة سورة البقرة واضحة.
مما حدث يوم أحد أن تكشفت نقاط الضعف عند المؤمنين، وخفايا ما في قلوب المنافقين، سواء في ذلك ما حدث قبل المعركة أو بعدها، ومن خلال الواقع هذا المحس حرر الله- عزّ وجل- المسلمين من أخلاق الكافرين والمنافقين، ورفعهم إلى ما ينبغي لهم من كمالات إيمانية، مذكرا لهم بالنعم، مذكرا لهم بالرعاية، مذكرا لهم بسننه، كاشفا لهم عن خفايا قلوب الكافرين والمنافقين، من خلال ما يلمسونه، منبها لهم على ما سيواجهونه، معلما إياهم كيف يتعاملون مع آياته، وما يفعلون للوصول إلى جناته، محتقرين ما عليه الكافرون، عارفين لأهل الفضل فضلهم، وكل ذلك في سياق النهي عن طاعة الكافرين، ووجوب الصبر، والمصابرة، والمرابطة، والتقوى، أي: في بداية المقطع وخاتمته. وصلة ذلك كله بمحور سورة آل عمران من البقرة لا تخفى، فمقدمة سورة البقرة وصفت المتقين والكافرين والمنافقين، وهاهنا يأتي مزيد تفصيل وبيان من خلال الواقع والحدث، تعمق قضية المفاصلة بين المسلمين والكافرين والمنافقين، وتميز الصف الإسلامي.
[كلمة أخيرة في سورة آل عمران]
مر معنا الحديث «اقرءوا الزهراوين البقرة وآل عمران، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف يحاجان عن أهلهما يوم القيامة». وعرفنا عن سورة البقرة، وسنعرف عنها ما ندرك به مصداق قوله عليه الصلاة والسلام فيها «إن كادت لتستحصي الدين كله».
فكل المعاني القرآنية تنبثق عن معان أجملت فيها، وسورة آل عمران تفصل في الأصل الذي تتفرع عنه الأشياء. فإذا كانت مقدمة سورة البقرة فصلت في التقوى والكفر والنفاق، فإن سورة آل عمران فصلت في مقدمة سورة البقرة. ومعرفة قضية الكفر والنفاق والتقوى هي التي عنها تتفرع كل الأمور الأخرى. ومقدمة الشئ تشير إلى مضمونه، ومن ثم فإن المعاني التي جاءت في سورة البقرة كلها مرتبطة بالمقدمة بشكل ما، فمثلا جاءت آيات الإنفاق في أواخر السورة وهي تفصيل لقوله تعالى في المقدمة: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ. وجاء قوله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ