عليها سراعا دون أن نتوقف أمامها طويلا .. ولكنها جديرة بطول الوقوف والتدبر العميق.
إن خلق السماوات والأرض معناه إنشاء هذا الخلق الهائل الضخم العظيم الدقيق؛ الذي لا نعرف عنه إلا أقل من القليل. هذا الحشد الذي لا يحصى من الأفلاك والمدارات والنجوم والكواكب والسدم والمجرات. تلك التي لا تزيد أرضنا الصغيرة عن أن تكون ذرة تائهة بينها تكاد أن تكون لا وزن لها ولا ظل! ومع الضخامة الهائلة ذلك التناسق العجيب بين الأفلاك والمدارات والدورات والحركات؛ وما بينها من مسافات وأبعاد تحفظها من التصادم والخلل والتخلف والاضطراب؛ وتجعل كل شئ في أمرها بمقدار.
ذلك كله من ناحية الحجم العام والنظام، فأما أسرار هذه الخلائق الهائلة وطبائعها وما يستكن فيها وما يظهر عليها؛ والنواميس الكبرى التي تحفظها وتحكمها وتصرفها ..
فهذا كله أعظم من أن يلم به الإنسان؛ وما عرف عنه إلا أقل من القليل. ودراسة هذا الكوكب الصغير الضئيل الذي نعيش على سطحه لم يتم منها حتى اليوم إلا القليل!
هذه لمحة خاطفة عن آية خلق السماوات والأرض التي نمرّ عليها سراعا.
بينما نتحدّث طويلا. وطويلا جدا. عن جهاز صغير يركبه علماء الإنسان؛ ويحتفظون فيه بالتناسق بين أجزائه المختلفة، لتعمل كلها في حركة منتظمة دون تصادم ولا خلل فترة من الزمان! ثم يستطيع بعض التائهين الضالين المنحرفين أن يزعم أن هذا الكون الهائل المنظم الدقيق العجيب وجد واستمر بدون خالق مدبّر. ويجد من يستطيع أن يسمع لهذا الهراء من العلماء).
عند قوله تعالى وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ قال صاحب الظلال:(ولقد نرى أن الكثيرين من الناس لا قانتين ولا عابدين. ولكن هذا التقرير إنّما يعني خضوع كل من في السماوات والأرض لإرادة الله ومشيئته التي تصرفهم وفق السنة المرسومة التي لا تتخلف ولا تحيد. فهم محكومون بهذه السنة، ولو كانوا عصاة كافرين. إنّما تعصي عقولهم وتكفر قلوبهم ولكنهم مع هذا محكومون بالنّاموس، مأخوذون بالسنة، يتصرّف فيهم خالقهم وفق ما يريد تصرفه بباقي العبيد وهم لا يملكون إلا الخضوع والقنوت).