البقرة، ولذلك مظاهره الكثيرة التي من أبرزها ابتداء كثير من مقاطع سورة النساء بصيغة «يا أيها» التي هي الصيغة الآتية بعد مقدمة سورة البقرة.
[المعنى العام للمقطع]
رأينا في سورة البقرة عند قوله تعالى: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ... أن هذه الآيات آتية في سياق توضيح أن القتال في سبيل الله جزء من التقوى، لا كما يظن الجاهلون أن القتال يتنافى مع التقوى. وهذا المقطع والذي يليه توضيح لكون القتال جزءا من عبادة الله ومن تقواه. ولنر المعاني العامة التي تضمنها هذا المقطع.
يأمر تعالى عباده المؤمنين بأخذ الحذر من عدوهم، وهذا يستلزم التأهب لهم بإعداد الأسلحة والعدد، وتكثير العدد بالنفير في سبيل الله، سرية بعد سرية، نفيرا عاما ينفر به الجميع. ثم بين تعالى أن ممن يخالطون المؤمنين، ويتظاهرون بالإيمان، ناسا يتخلفون عن القتال في سبيل الله، فيتباطئون عنه، ويبطئون غيرهم، وينظرون إلى القتال من خلال المصلحة المادية لهم ولغيرهم، فإذا رأوا المسلمين أصيبوا فرحوا، وإن رأوهم غلبوا وغنموا تمنوا أن يكونوا معهم ليصيبوا من الغنائم. ومن فساد تصورهم أنهم يعتبرون عدم خروجهم للقتال حال غلبة الكافرين على المسلمين أن ذلك من فضل الله عليهم، جهلا منهم بالله وسننه في عباده، وجهلا منهم بمعاني الإسلام والإيمان والقرآن.
وإذ بين الله فساد تصور هؤلاء لموضوع الجهاد وحكمته، وما يحيط به من قتل في سبيل الله، أصدر أمره تعالى للمؤمنين بالقتال، وأمرهم أن يكون قتالهم في سبيله خالصا، وبين أن كل من قاتل في سبيل الله سواء قتل أو غلب، فله عند الله ثواب عظيم، وأجر جزيل. وقد جاء هذا الأمر كتصحيح لذلك التصور الموجود عند المنافقين عن القتال. ثم بين الله- عزّ وجل- الحكمة في القتال مصححا المفاهيم المعوجة فيه، محرضا للمؤمنين على القتال، منكرا عليهم تركه، ومن أولى من الله- عزّ وجل- أن يقاتل في سبيله، ومن أولى من المسلمين المستضعفين المغلوبين على أمرهم، المضطهدين في دينهم، الراغبين إلى الله أن ينقذهم من طغيان من هم تحت سلطانه من المردة والظالمين، من أولى من هؤلاء أن يقاتل من أجلهم؟؟ وإذ تقرر بهذا الأمر القتال، وضرورته، بين تعالى بعد ذلك الفارق بين قتال المؤمنين، وقتال الكافرين، فالمؤمنون يقاتلون في طاعة الله ورضوانه، والكافرون يقاتلون في طاعة الشيطان ومقاصده. ثم هيج الله تعالى المؤمنين على قتال أعدائه أولياء الشيطان، مبينا أن