[تفسير الفقرة الثانية من المقطع الأول]
يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ الخطاب عام لكل إنسان إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً قال ابن كثير: أي: إنك ساع إلى ربك سعيا، وعامل عملا، وقال النسفي: أي:
(إنك جاهد إلى لقاء ربك وهو الموت وما بعده من الحال المتمثلة باللقاء فَمُلاقِيهِ أي: فملاق عملك وكدحك. أو فملاق ربك فيجازيك بعملك ويكافئك على سعيك
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً قال النسفي: أي:
سهلا هينا وهو أن يجازى على الحسنات ويتجاوز عن السيئات
وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً أي: فرحا، قال النسفي: أي: وينقلب إلى عشيرته إن كانوا مؤمنين، أو إلى فريق المؤمنين أو إلى أهله في الجنة من الحور العين مسرورا
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ قال ابن كثير: أي: بشماله من وراء ظهره تثنى يده إلى ورائه ويعطى كتابه بها كذلك، وقال النسفي: قيل: تغل يمناه إلى عنقه، وتجعل شماله وراء ظهره، فيؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره
فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً أي: خسارا وهلاكا، أي: يقول يا ثبوراه أي: يا هلاكاه، ولا يأتيه الهلاك
وَيَصْلى سَعِيراً أي: ويدخل جهنم
إِنَّهُ كانَ في الدنيا فِي أَهْلِهِ أي: معهم مَسْرُوراً قال النسفي:
أي: بالكفر يضحك ممن آمن بالبعث. قيل: أي: في تفسيرها: كان لنفسه متابعا، وفي مراتع هواه راتعا، وقال ابن كثير: أي: مزحا لا يفكر في العواقب، ولا يخاف مما أمامه، فأعقبه ذلك الفرح اليسير الحزن الطويل
إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ أي: يرجع إلى ربه تكذيبا بالبعث. أقول: وهذا سر سروره في أهله، سرورا جعله لا يبالي بقيد ولا عمل.
بَلى أي: ليرجعن إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً فسيجازيه على كل عمل وتصرف واعتقاد. قال ابن كثير. يعني: بلى سيعيده كما بدأه، ويجازيه على أعماله خيرها وشرها بأنه كان له بصيرا أي: عليما خبيرا.
[كلمة في السياق]
١ - بعد أن ذكر الله عزّ وجل في الفقرة الأولى ما يكون من أمر السماء والأرض يوم القيامة، خاطب الإنسان في الفقرة الثانية مبينا أنه كادح للوصول إلى ذلك اليوم، ويومذاك إما أن يكون من أصحاب اليمين، وإما أن يكون من أصحاب الشمال، وفي ذلك دعوة للإنسان كي يكدح من أجل أن يكون من أصحاب اليمين، وذلك لا يكون إلا بالعبادة والتقوى، وهذا مظهر من مظاهر صلة الفقرة بمحور السورة.