إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي ليمنعوا الناس عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ودينه فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً أي ثم تكون عاقبة إنفاقها ندما وحسرة، فكأن ذاتها تصير ندما وتنقلب حسرة ثُمَّ يُغْلَبُونَ أي آخر الأمر، وهذه من معجزات القرآن، لأنه أخبر عنها قبل وقوعها، وكان كما أخبر، والوعد دائم، والموعود حاصل وَالَّذِينَ كَفَرُوا أي منهم لأن منهم من أسلم وحسن إسلامه إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ فاجتمع عليهم ضياع المال، والغلبة في الدنيا، والعذاب في الآخرة، وكل ذلك لصالح المؤمنين، وكل ذلك من الفرقان الذي وعد به المتقون
لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ أي الفريق الخبيث وهم الكفار مِنَ الطَّيِّبِ أي من الفريق الطيب من المؤمنين. والمعنى أن هذا الحشر من أجل هذا وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ أي الفريق الخبيث بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً أي فيجمعه كله فَيَجْعَلَهُ أي الفريق الخبيث فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ أي جماعة الفريق الخبيث هُمُ الْخاسِرُونَ الذين خسروا أنفسهم وأموالهم. وفي هذه المجموعة من الآيات مظهر آخر من مظاهر الفرقان في الدنيا والآخرة لأهل الإيمان وحزب الرحمن على حزب الشيطان.
كما أن فيها مبررا آخر من مبررات القتال الذي فرضه الله على أهل الإيمان ليذلوا أهل الكفر والطغيان.
[فائدة]
يروي ابن إسحاق سبب نزول هذه الآيات فيقول:
(لما أصيبت قريش يوم بدر، ورجع فلهم إلى مكة، ورجع أبو سفيان بعيره، مشى عبد الله بن أبي ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية في رجال من قريش، أصيب آباؤهم وإخوانهم ببدر، فكلموا أبا سفيان بن حرب، ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة. فقالوا: يا معشر قريش إن محمدا قد وتركم، وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه، لعلنا أن ندرك منه ثأرا بمن أصيب منا، ففعلوا. فقال:
ففيهم- كما ذكر ابن عباس- أنزل الله عزّ وجل إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ إلى قوله هُمُ الْخاسِرُونَ وكذا روي عن مجاهد، وسعيد بن جبير، والحكم بن عيينة، وقتادة، والسدي، وابن أبزى، أنها نزلت في أبي سفيان، ونفقته الأموال في أحد لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الضحاك: نزلت في أهل بدر. قال ابن كثير:
وعلى كل تقدير فهي عامة، وإن كان سبب نزولها خاصا، فقد أخبر تعالى أن الكفار ينفقون