المكذّبون المعتدون، تعالى وتنزّه وتقدّس عن قولهم علوا كبيرا
وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ قال ابن كثير:(أي سلام الله عليهم في الدنيا والآخرة لسلامة ما قالوه في ربهم، وصحته وحقيقته) وقال النسفي: (عمّ الرسل بالسلام بعد ما خص البعض في السورة لأن في تخصيص كل بالذكر تطويلا)
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ قال ابن كثير: أي له الحمد في الأولى والآخرة في كل حال. وقال النسفي:(أي):
والحمد لله على هلاك الأعداء ونصر الأنبياء. اشتملت السورة على ذكر ما قاله المشركون في الله، ونسبوه إليه، مما هو منزّه عنه، وما عاناه المرسلون من جهتهم، وما خوّلوه في العاقبة من النصرة عليهم، فختمها بجوامع ذلك من تنزيه ذاته عما وصفه به المشركون، والتسليم على المرسلين والحمد لله رب العالمين على ما قيّض لهم من حسن العواقب، والمراد تعليم المؤمنين أن يقولوا ذلك ولا يخلّوا به، ولا يغفلوا عن مضمّنات كتابه الكريم، ومودعات قرآنه المجيد.
عند قوله تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ* وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ. قال صاحب الظلال:
(والوعد واقع وكلمة الله قائمة. ولقد استقرت جذور العقيدة في الأرض؛ وقام بناء الإيمان، على الرغم من جميع العوائق، وعلى الرغم من تكذيب المكذّبين، وعلى الرغم من التنكيل بالدعاة والمتبعين. ولقد ذهبت عقائد المشركين والكفار. وذهبت سطوتهم ودولتهم؛ وبقيت العقائد التي جاء بها الرسل. تسيطر على قلوب الناس وعقولهم. وتكيف تصوراتهم وأفهامهم. وما تزال على الرغم من كل شئ هي أظهر وأبقى ما يسيطر على البشر في أنحاء الأرض. وكل المحاولات التي بذلت لمحو العقائد الإلهية التي جاء بها الرسل، وتغليب أية فكرة أو فلسفة أخرى قد باءت بالفشل. باءت بالفشل حتى في الأرض التي نبعت منها. وحقّت كلمة الله لعباده المرسلين. إنهم لهم المنصورون وإن جنده لهم الغالبون.
هذه بصفة عامة. وهي ظاهرة ملحوظة. في جميع بقاع الأرض. في جميع العصور. وهي كذلك متحققة في كل دعوة لله، يخلص فيها الجند، ويتجرّد لها