للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السّعي والعمل قالَ إبراهيم عليه السلام يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أي في الرؤيا، ورؤيا الأنبياء حق أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى أي ما هو رأيك قال النسفي: (ولم يشاوره ليرجع إلى رأيه ومشورته، ولكن ليعلم أيجزع أم يصبر) قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ أي امض إلى ما أمرك الله من ذبحي سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ أي على الذبح، أي سأصبر وأحتسب ذلك عند الله عزّ وجلّ، وصدق صلوات الله وسلامه عليه فيما وعد

فَلَمَّا أَسْلَما أي انقادا لأمر الله وخضعا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ أي صرعه على وجهه ليذبحه من قفاه، ولا يشاهد وجهه عند ذبحه؛ ليكون أهون عليه، أي أكبّه على وجهه

وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا أي قد حصل المقصود من رؤياك بإضجاعك ولدك للذبح، أي حقّقت ما أمرناك به في المنام من تسليم الولد للذبح إِنَّا كَذلِكَ

نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ

قال النسفي: (هذا) تعليل لتخويل ما خوّلهما من الفرج بعد الشدّة

إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ أي الاختبار البيّن الذي يتميّز فيه المخلصون من غيرهم قال ابن كثير: (أي الاختبار الواضح الجليّ، حيث أمر بذبح ولده، فسارع إلى ذلك مستسلما لأمر الله تعالى، منقادا لطاعته)

وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ الذّبح: هو ما يذبح، والمراد به هنا كبش ضخم الجثة، سمين وهو السنّة في الأضاحي

وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ فما من أمّة بعد إبراهيم عليه السلام إلا وهي تسلّم على إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه

كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ بأن نبارك لهم في الذكر الحسن قال النسفي: ولم يقل (إنا كذلك) هنا كما في غيره؛ لأنه قد سبق في هذه القصة، فاكتفى بذكره مرّة عن ذكره ثانية

إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ هذا تعليل لكونه محسنا، بأنه كان عبدا مؤمنا ليريك- كما قال النسفي من قبل- جلالة محلّ الإيمان، وأنه القصارى من صفات المدح والتعظيم

وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا أي وبشّرناه بوجود إسحاق مقدّرة نبوته مِنَ الصَّالِحِينَ وكل نبي صالح، وفي ذكر الصلاح هنا ثناء عليه قال ابن كثير: (لمّا تقدّمت البشارة بالذبيح- وهو إسماعيل عليه السلام- عطف بذكر البشارة بأخيه إسحاق)

وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ أي أفضنا عليهما بركات وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ أي مؤمن وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ أي كافر مُبِينٌ أي ظاهر أو محسن إلى الناس وآخر ظالم لنفسه بتعديه حدود الشرع قال النسفي: (وفيه تنبيه على أنّ الخبث والطيب لا يجري أمرهما على العرف والعنصر، فقد يلد البرّ الفاجر، والفاجر البر، وهذا مما يهدم أمر الطبائع والعناصر، وعلى أن الظلم في أعقابهما لم يعد

<<  <  ج: ص:  >  >>