وزعمت أنه أرسلني وليس كذلك، لعاقبني أشد العقوبة، ولم يقدر أحد من أهل الأرض- لا أنتم ولا غيركم- أن يجيرني منه. فكيف أفتريه وأتعرض لعقابه وأنا أعلم ذلك.
هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ أي: بما تسهبون فيه من القدح في وحي الله، والطعن في آياته، وتسميته سحرا تارة، وفرية تارة أخرى كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ أي: يشهد لي بالصدق والبلاغ، ويشهد عليكم بالجحود والإنكار. قال النسفي: ومعنى ذكر العلم والشهادة وعيد بجزاء إفاضتهم. وقال ابن كثير: هذا تهديد لهم ووعيد أكيد وترهيب شديد. أقول: أمره بأن يرد عليهم بأن الله عزّ وجل يغار أن يفترى عليه، ويعاقب على ذلك، كما يغار أن يكذّب وحيه ورسوله، ومن ثم ففعل الله عزّ وجل بالفريقين يدل على من هو صاحب الحق. وقد حكم الله لرسوله صلّى الله عليه وسلم فنصره وأيّده، ونشر دينه، وتوفاه وهو على أكمل حال، وفي ذلك دليل صدقه في رسالته، إذ لو ادعى الرسالة عن الله كذبا لغضب الله وعاقبه في الدنيا. ولا يقولن قائل: إن كثيرين تنتشر دعواتهم وهم غير مستقيمين، فالكلام عمن يدّعي أنّه رسول الله، فإن مثل هذا إن كان كاذبا يعاقبه الله في الدنيا. ثم ختم الله الآية بقوله: وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ أي: هو على مغفرته ورحمته يعاقب من كذب عليه. وفي ختم الآية بذلك دعوة لهم إلى التوبة والإنابة، وترغيب لهم بذلك. قال ابن كثير: أي ومع هذا كله إن رجعتم وتبتم تاب الله عليكم، وعفا عنكم، وغفر ورحم. هذا هو الجواب الأول على اتهام رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأنه افترى القرآن على الله من عند نفسه. فلنر الجواب الثاني.
الجواب الثاني:
قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ أي: ما كنت بديعا من الرسل. قال النسفي:
(والمعنى لست بأول رسول فتنكروا نبوتي) وقال ابن كثير: أي لست بأول رسول طرق العالم، بل قد جاءت الرسل من قبلي، فما أنا بالأمر الذي لا نظير له حتى تستنكروني، وتستبعدون بعثتي إليكم، فإنه قد أرسل الله جل وعلا قبلي جميع الأنبياء إلى الأمم). فإذا كان هذا هو الشأن، وكانت تظهر معي علامات النبوة وخصائصها فعلام تستنكرون الوحي الذي أنزله علي وأنا لا أدعي إلا العبودية له سبحانه، ولا أدعي مقاما فوق مقام البشر. ومن ثم أتمّ الله الحجة، آمرا رسوله صلّى الله عليه وسلم أن يقول وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ أي: وما أعلم ما يفعل الله بي وبكم فيما يستقبل من الزمان، أي في الدنيا قال ابن كثير: (قال الحسن البصري: أما في الآخرة فمعاذ الله،