المشرق والمغرب قبلة وهذا لمن كان في جهة الشمال أو الجنوب من الحرم. واستدلوا كذلك بالحديث «البيت قبلة لأهل المسجد. والمسجد قبلة لأهل الحرم. والحرم قبلة لأهل الأرض في مشارقها ومغاربها من أمتي». أخرج ابن جريج عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ «أي حيثما كنتم من الأرض وأردتم الصلاة فولوا وجوهكم نحوه». قال ابن كثير: أمر تعالى باستقبال الكعبة من جميع الأرض شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، ولا يستثنى من هذا شئ سوى النافلة في حالة السفر. فإنه يصليها حيثما توجه قالبه، وقلبه نحو الكعبة. وكذا في حال المسايفة في القتال يصلي على كل حال، وكذا من جهل جهة القبلة يصلي باجتهاده وإن كان مخطئا في نفس الأمر؛ لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها. وقد استدل المالكية بهذه الآية على أن المصلي ينظر أمامه لا إلى موضع سجوده كما ذهب إليها الشافعي وأحمد وأبو حنيفة
قال شريك القاضي: ينظر في حال قيامه إلى موضع سجوده كما قال جمهور الجماعة لأنه أبلغ في الخضوع وآكد في الخشوع، وقد ورد به الحديث. وأما في حال ركوعه، فإلى موضع قدميه. وفي حال سجوده إلى موضع أنفه، وفي حال قعوده إلى حجره.
وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ من اليهود والنصارى لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ أي ليعلمون أن التحويل أو التوجه إلى الكعبة هو الحق من الله عزّ وجل، وهذا يقتضي أن أهل الكتاب بشقيهم من يهود ونصارى يعلمون أن النبوة القادمة المبشر بها قبلتها كعبة إبراهيم، وهذا واضح لكل من تأمل موضوع البشارات بالنبوة القادمة في كتب العهد القديم التي هي محل اعتماد اليهود والنصارى. إذ في هذه البشارات كما نقلنا نصوصها في كتابنا «الرسول» صلى الله عليه وسلم الفصل الخامس، كلام عن مكة، وإشارات إلى الكعبة بالذات.
وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ هذا وعيد للكافرين بالعقاب والعذاب على الجحود وإنكار الحق وكتمانه وإبائه.
وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ. وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ. وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ. وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ يخبر تعالى في هذه الآية عن كفر أهل الكتاب، ومنهم اليهود. إذ هم المرادون أولا بهذا النص، يخبر تعالى عن كفرهم وعنادهم ومخالفتهم ما يعرفون من شأن رسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لو أقام عليهم كل دليل على