الجميع الله وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ منهم أي بأن لم يفلح باستفتاحه وهم مكذبو الرسل، والجبار: هو المتجبر في نفسه، والعنيد: هو المعاند للحق، وكيف لا يخيب ويخسر حين يجتهد الأنبياء في الابتهال إلى الله ربهم العزيز المقتدر، ومع خيبة الجبارين المعاندين في الاستفتاح في الدنيا فإن أمامهم عذاب النار
مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وراء هنا بمعنى أمام أي من أمام الجبار العنيد جهنم، أي هي له بالمرصاد يسكنها مخلدا يوم المعاد، ويعرض عليها غدوا وعشيا إلى يوم التناد، وهو إما وصف لحاله في الدنيا لأنه مرصد لجهنم فكأنها بين يديه، وهو على شفيرها، وإما وصف لحاله في الآخرة حين يبعث ويوقف وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ إذا ألقي في النار، والصديد هو ما يسيل من جلود أهل النار
يَتَجَرَّعُهُ أي يشربه جرعة جرعة أي يتغصصه ويتكرهه وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ أي ولا يقارب أن يسيغه فكيف تكون الإساغة؟ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ أي إن أسباب الموت تأتيه من كل جهة، أو من كل مكان، وهذا تصوير لما يصيبه من الآلام، أي لو كان ثمة موت لكان كل واحد منها مهلكا وَما هُوَ بِمَيِّتٍ لأنه لو مات لاستراح ولا راحة لهم بل عذاب وَمِنْ وَرائِهِ أي ومن بين يديه عَذابٌ غَلِيظٌ أي في كل وقت يستقبله يتلقى عذابا أشد مما قبله، أو أغلظ، أي وله من بعد هذه الحال عذاب آخر غليظ، أي مؤلم صعب شديد أغلظ من الذي قبله، وأدهى وأمر،
ثم ضرب الله مثلا لأعمال الكفار عامة الذين عبدوا معه غيره، وكذبوا رسله، وبنوا أعمالهم على غير أساس صحيح فانهارت، وعدموها أحوج ما كانوا إليها مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ هذه جملة على تقدير سؤال سائل يقول:
كيف مثلهم؟ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ أي ذي ريح شديدة عاصفة قوية، والمعنى: مثل أعمالهم يوم القيامة إذا طلبوا ثوابها من الله تعالى لأنهم كانوا يحسبون أنهم كانوا على شئ فلم يجدوا شيئا، ولا ألفوا حاصلا إلا كما يتحصل من الرماد إذا اشتدت به الريح العاصفة، فلا يقدرون على شئ من أعمالهم التي كسبوها
في الدنيا إلا كما يقدرون على جمع هذا الرماد في مثل هذا اليوم، وأعمال الكفرة: المكارم التي كانت لهم، من صلة الأرحام، وعتق الرقاب، وفداء الأسرى، وإطعام الأضياف، وغير ذلك، شبهها الله في حبوطها- لبنائها على غير أساس الإيمان بالله تعالى ورسله- برماد طيرته الريح العاصف لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ أي لا يقدرون يوم القيامة مما كسبوا من أعمالهم على شئ، أي لا يرون له أثرا من ثواب كما لا يقدر من الرماد المطير في الريح على شئ ذلِكَ أي سعيهم وعملهم على