للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به، وليس ما يرومونه من إخماد الحق، وإعلان الباطل بحاصل لهم، بل الحق هو المرفوع، وقولهم وقصدهم هو الموضوع فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لما تقول ويقولون الْبَصِيرُ بما تعمل ويعملون فهو ناصرك عليهم، وعاصمك من شرّهم، أو المعنى:

فاستعذ بالله من شر مثل هؤلاء المجادلين في آيات الله بغير سلطان، إنه هو السميع لكل شئ، البصير بكل شئ.

كلمة في السياق: [حول عرض كيفية جدال الكافرين في آيات الله]

يلاحظ أنّ موضوع مجادلة الذين كفروا بآيات الله قد ذكرت ثلاث مرات حتى هاهنا: مرّة في أوّل السورة ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ ومرة على لسان مؤمن آل فرعون: إن الله لا يهدي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ* الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ومرة هنا: إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.

المرة الأولى قررت أن المجادلة في آيات الله لا يفعلها إلا الكافرون، والمرّة الثانية بيّنت أنّ الإسراف والارتياب هما سبب الجدل في آيات الله، وأن الجدل في آيات الله هو علامة أن القلب قد طبع عليه بسبب الكبرياء والجبروت، والمرّة الثالثة بيّنت أنّ الجدال في آيات الله أثر عن الكبر الذي يستهدف أصحابه الجاه والعظمة والرئاسة.

وإذ تحدّدت الأسباب النفسية والقلبية للجدال في آيات الله، وتبيّنت مظاهر ذلك وأهداف أصحابه، فإن الآيتين الأخيرتين حدّدتا الموقف المكافئ لذلك، وهو الصبر والاستغفار، والتسبيح بحمد الله، والاستعاذة بالله، ومن قبل أمرت الآية الأولى من الآيات الثلاث بعدم الاغترار بما عليه الكافرون، وهكذا نرى كيف أن السياق يصبّ في مصبّ واحد مع تعرضه لكثير من المعاني خلال سيره الرئيسي؛ لاحتياج المعنى الرئيسي إلى ذلك، وإذا كان الصبر مستحيل الوجود إلا إذا كان هناك إيمان بالله وباليوم الآخر.

وإذا كان الاستغفار والتسبيح والاستعاذة أثرا عن معرفة الله عزّ وجل، فإنّ السياق الآن يتّجه للحديث عن اليوم الآخر، ويتّجه ليعرّفنا على الله عزّ وجل.

<<  <  ج: ص:  >  >>