وقد فسر ما يوحى بقوله أَنِ اقْذِفِيهِ أي ألقيه فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ أي في النيل فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ أي بجانب النهر يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ يعني فرعون وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي أي حببتك إلى عبادي أو جعلت فرعون يحبك وهو عدوك وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي أي ولتربى بمرأى مني، يعني: أنا راعيك ومراقبك، كما يراعي الرجل الشئ بعينه إذا اعتنى به، وقد نقل ابن كثير في معناها عن الجوني:«أنه ولتربى بعين الله» قال صاحب الظلال بمناسبة هذه الآية: (إن موسى- عليه والسلام- ذاهب لمواجهة أقوى ملك في الأرض وأطغى جبار. إنه ذاهب لخوض معركة الإيمان مع الطغيان. إنه ذاهب إلى خضم من الأحداث والمشكلات مع فرعون أول الأمر. ثم مع قومه بني إسرائيل وقد أذلهم الاستعباد الطويل وأفسد فطرتهم، وأضعف استعدادهم للمهمة التي هم منتدبون لها بعد الخلاص، فربه يطلعه على أنه لن يذهب غفلا من التهيؤ والاستعداد. وأنه لم يرسل إلا بعد التهيئة والإعداد. وأنه صنع على عين الله منذ زمان، ودرب على المشاق وهو طفل رضيع، ورافقته العناية وسهرت عليه وهو صغير
ضعيف وكان تحت سلطان فرعون وفي متناوله وهو مجرد من كل عدة ومن كل قوة فلم تمتد إليه يد فرعون، ... فلا عليه اليوم من فرعون، وقد بلغ أشده، وربه معه، قد اصطنعه لنفسه، واستخلصه واصطفاه.).
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ هذا تفسير ثان لنعمة الله على موسى فَتَقُولُ إذا رفضت المراضع هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ أي على من يضمه إلى نفسه فيربيه، وأرادت بتلك المرضعة أمه فَرَجَعْناكَ أي فرددناك إِلى أُمِّكَ كما وعدناها كما هو مذكور في سورة القصص كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها بلقائك وَلا تَحْزَنَ على فراقك وَقَتَلْتَ نَفْساً أي القبطي الكافر فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وهو ما حصل له بسبب عزم آل فرعون على قتله، ففر منهم هاربا حتى ورد ماء مدين وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً أي ابتليناك ابتلاء بإيقاعك في المحن، وتخليصك منها، هذا تذكير من الله لموسى بالمحن التي مر فيها، وكيف أن كل محنة كانت كافية في عالم الأسباب لأن تقضي عليه، لولا أن نجاه الله منها، وفي ذلك تثبيت لقلبه وتقوية له فيما سيلاقيه من أخطار فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ أي في أرض مدين وبين أهلها ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى أي ثم جئت موافقا لقدر الله وإرادته. وقال مجاهد: أي جئت على موعد. وقال قتادة: