للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إن اعتبرنا سكن من السكنى فإنه يتناول في هذا المقام الساكن والمسافر، وإن اعتبرناه من السكون فمعناه: أنّ له ما سكن، وما تحرك فيهما، فاكتفى بأحد الضدّين عن الآخر، وذكر السكون لأنّه أكثر من الحركة، وفي الإشارة إلى الحركة والسكون في هذا المقام إقامة حجة على الكافرين إذ وجود الحركة والسكون تقتضي حدوث العالم، وحدوث العالم يدلّ على خالقه، وخالقه هو مالكه، وخالقه لا يغيب عنه شئ ولذلك ختمت الآية بقوله: وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ يسمع كل موجود وكل مسموع، ويعلم كل معلوم فلا يخفى عليه شئ، وإذ كان الأمر كذلك فليحذر المكلفون يوم القيامة، فإن النّاقد بصير، والحساب عسير إلا من يسّره له الله، وفي مجموع ما ورد في هاتين الآيتين دواء آخر لمن أراد أن يعالج الكفر، وحجة لمن أراد أن يناقش أهله.

فوائد: [نقل عن صاحب الظلال حول آية كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ]

عند قوله تعالى: كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ قال صاحب الظلال:

«ورحمة الله تفيض على عباده جميعا؛ وتسعهم جميعا؛ وبها يقوم وجودهم، وتقوم حياتهم. وهي تتجلى في كل لحظة من لحظات الوجود أو لحظات الحياة للكائنات. فأما في حياة البشر خاصة فلا نملك أن نتابعها في كل مواضعها ومظاهرها؛ ولكننا نذكر منها لمحات في مجاليها الكبيرة: إنها تتجلى ابتداء في وجود البشر ذاته. في نشأتهم من حيث لا يعلمون. وفي إعطائهم هذا الوجود الإنساني الكريم؛ بكل ما فيه من خصائص يفضّل بها الإنسان على كثير من العالمين. وتتجلى في تسخير ما قدّر الله أن يسخره للإنسان، من قوى الكون وطاقاته. وهذا هو الرزق في مضمونه الواسع الشامل. الذي يتقلب الإنسان في بحبوحة منه في كل لحظة من لحظات حياته. وتتجلى

في تعليم الله للإنسان، وبإعطائه ابتداء الاستعداد للمعرفة؛ وتقدير التوافق بين استعداداته هذه وإيحاءات الكون ومعطياته .. هذا العلم الذي يتطاول به بعض المناكيد على الله، وهو الذي علمهم إياه! وهو من رزق الله بمعناه الواسع الشامل كذلك. وتتجلى في رعاية الله لهذا الخلق بعد استخلافه في الأرض، بموالاة إرسال الرسل إليه بالهدى، كلّما نسي وضل؛ وأخذه بالحلم كلما لجّ في الضلال؛ ولم يسمع صوت النذير؛ ولم يصغ للتحذير. وهو على الله هين. ولكنّ رحمة الله وحدها هي التي تمهله؛ وحلم الله وحده هو الذي يسعه.

وتتجلى في تجاوز الله- سبحانه- عن سيئاته إذا عمل السوء بجهالة ثم تاب، وبكتابة

<<  <  ج: ص:  >  >>