للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً أي إن اعترضت عليك بشيء بعد هذه المرة، فلا تصاحبني فقد أعذرت إليّ مرّة بعد مرّة، ومن ثم أعذرت فيما بيني وبينك في الفراق

فَانْطَلَقا أي بعد المرتين الأوليين حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها أي استضافاهم وكان أهل القرية لئاما نجلا، كما ورد في الحديث: «حتى إذا أتيا أهل قرية لئاما». فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها أي في القرية جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ أي يكاد أن يسقط فَأَقامَهُ أي فردّه إلى حال الاستقامة. قال ابن كثير: وقد تقدم في الحديث أنه رده بيديه ودعمه حتى ردّ ميله، وهذا خارق قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً أي لأجل أنهم لم يضيّفونا كان ينبغي ألا تعمل لهم مجانا. قال النسفي: كانت الحال حال اضطرار وافتقار إلى المطعم، وقد ألزمتهما الحاجة إلى آخر كسب المرء وهو المسألة، فلم يجدوا مواسيا، فلما أقام الجدار لم يتمالك موسى لما رأى من الحرمان ومساس الحاجة أن قال: لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً أي لطلبت على عملك جعلك حتى تستدفع به الضرورة

قالَ أي الخضر هذا إشارة إلى السؤال الثالث، أي هذا الاعتراض سبب الفراق، أي لأنك شرطت عند قتل الغلام أنك إن سألتني عن شئ بعدها فلا تصاحبني فهو فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ. سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ أي بتفسير ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً

ثم بدأ يفسّر له ما خفي عليه من حكم الواقعات الثلاث: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ أي أمامهم مَلِكٌ أي من الظلمة سيمرون عليه يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ أي صالحة جيدة لا عيب فيها غَصْباً أي مصادرة، فأردت أن أعيبها لأرده عنها لعيبها، فينتفع بها أصحابها المساكين الذين لم يكن لهم شئ ينتفعون به غيرها

وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما أي أن يغشي الوالدين المؤمنين طُغْياناً وَكُفْراً أي يعديهما بدائه، ويضلهما بضلاله، فيرتدا بسببه. وفي الحديث: «الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافرا» ومن ثم خشي الخضر أن يحملهما حبه على متابعته. قال قتادة: (قد فرحا به حين ولد، وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي لكان فيه هلاكهما فليرض امرؤ بقضاء الله، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير).

فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً أي طهارة ونقاء من الذنوب وَأَقْرَبَ رُحْماً أي أقرب رحمة وعطفا أي أبر بوالديه

وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما أي إن هذا الجدار إنما أصلحته لأنه كان لغلامين يتيمين في

<<  <  ج: ص:  >  >>