ليشكوها إليه قال:«اتق الله وأمسك عليك زوجك» فقال (أي الله تعالى) قد أخبرتك أني مزوجكها، وتخفي في نفسك ما الله مبديه، وهكذا روي عن السدي أنه قال نحو ذلك) اه.
...
من هذين النقلين نعرف أنّ بعض الكلام الذي يقال في هذا المقام كلام ساقط لا أصل له، من مثل أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أحب زينب، فأعلمت زينب زوجها، فطلّقها من أجل رسول الله صلّى الله عليه وسلم. إن مثل هذا الكلام يشبه ما يرويه اليهود عليهم لعنة الله عن رسلهم وحاشاهم. وبهذه المناسبة أقول:
إنه حيث توجد روايتان فإن المبشّرين والمستشرقين وأذنابهم يختارون الرواية المظلمة مضمونا، ولو كانت باطلة سندا، ويتركون الرواية ذات المضمون المنير وإن كانت صحيحة سندا، وللأسف فقد استطاعوا أن يضللوا بعض الناس من خلال سيطرتهم على مناهج التدريس، وعلى الإعلام، ليس فقط في قضايا العصر النبوي بل في قضايا التاريخ الإسلامي كله.
وبعد هذه المقدمة فلنفسّر الآيات.
...
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بالإسلام الذي هو أجلّ النعم وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ بالإعتاق والتبنّي، ثمّ بالتولّي بأن كنت مولاه، فهو متقلّب في نعمة الله ونعمة رسوله صلّى الله عليه وسلم وهو زيد بن حارثة أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ أي زينب بنت جحش وَاتَّقِ اللَّهَ فلا تطلّقها، وهو نهي تنزيه؛ إذ الأولى ألا يطلق، قال ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما شكا زيد من كبرها وترفّعها وإيذائها له بذلك وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ أي تخفي في نفسك نكاحها إن طلقها زيد، وهو الذي أبداه الله تعالى وأعلمه لرسوله صلّى الله عليه وسلم أن زينب ستكون من أزواجه كما رأينا وَتَخْشَى النَّاسَ أي وتخشى قالة الناس إنه نكح امرأة متبناه وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فلا تبال إذا أطعت أمر الله بشيء فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً أي حاجة وأربا، أي فلما لم يبق لزيد فيها حاجة وتقاصرت عنها همته وطلّقها وانقضت عدتها زَوَّجْناكَها قال ابن كثير:
(أي لما فرغ منها وفارقها زوجناكها، وكان الذي ولي تزويجها منه هو الله عزّ وجل،