للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ أي: حين خرج من بلده إلى جهاد العدو بجنده. قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ أي: مختبركم. أي: يعاملكم معاملة المختبر بتميز المحق في الجهاد، من المدعي. قال ابن عباس: وهو نهر بين الأردن وفلسطين.

يعني نهر الشريعة المشهور. ثم جاء بيان الاختبار: فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي أي: فمن شرب كرعا، فليس من أتباعي، وأشياعي. فلا يصحبني اليوم في هذا الوجه. وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ أي: ومن لم يذقه فإنه مني. ثم رخص لهم في اغتراف الغرفة باليد دون الكرع. والغرفة، هي المغروف. فصارت الرخصة، أنه من اغترف بيده فشرب فلا بأس عليه. فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ أي: فشربوا كرعا إلا القليل.

فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ أي: فلما جاوز طالوت النهر هو ومن آمن معه ممن نجحوا في الاختبار. روى البخاري، وابن جرير عن البراء بن عازب قال:

(كنا نتحدث أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يوم بدر ثلاثمائة، وبضعة عشر، على عدة أصحاب طالوت الذين جازوا معه النهر. وما جازه معه إلا مؤمن).

قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ أي: لا قوة لنا على جالوت وجنوده.

استقلوا أنفسهم عن لقاء عدوهم، لكثرته، وقوته. وقلتهم، وضعفهم. قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ أي: قال الذين يوقنون بالشهادة- وهم العالمون حقا- تشجيعا، وتثبيتا كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ أي: إن النصر من عند الله، ليس عن كثرة عدد، ولا عدد فكثيرة هي الحالات التي انتصرت بها فئة قليلة على فئة كثيرة بنصر الله. وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ: ينصرهم، ويعينهم، ويوفقهم.

شجعوهم، وطالبوهم بالصبر.

وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ أي: لما واجه حزب الإيمان، وهم قليل من أصحاب طالوت، لعدوهم أصحاب جالوت، وهم عدد كثير.

قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً أي: أنزل، واصبب علينا صبرا على القتال من عندك. وَثَبِّتْ أَقْدامَنا أي: في لقاء العدو. جنبنا الفرار، والعجز، بتقوية قلوبنا، وإلقاء الرعب في صدور عدونا. وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ أي: أعنا عليهم، واهزمهم. دل ذلك على أن أدب المؤمنين في المعركة، الافتقار إلى الله، ودعاؤه بما يقتضيه الحال من التثبيت، والنصر.

فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ: أي فهزم طالوت والمؤمنون معه،

<<  <  ج: ص:  >  >>