عُصْبَةٌ أي جماعة فكيف أحب ذينك الاثنين أكثر من الجماعة والمعنى: أنه يفضلهما في المحبة علينا وهما صغيران لا كفاية فيهما ونحن عشرة رجال كفاة نقوم بمرافقته، فنحن أحق بزيادة المحبة منهما، لفضلنا بالكثرة والمنفعة عليهما إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ أي في غلط في تدبير أمر الدنيا، إذ لو وصفوه بالضلالة في الدين لكفروا، وخطؤه عندهم أن قدم يوسف وأخاه عليهم وأحبهما أكثر
اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ أي أرضا مجهولة بعيدة عن العمران، يقولون: هذا الذي يزاحمكم في محبة أبيكم لكم، أعدموه من وجه أبيكم ليخلو لكم وحدكم. إما بأن تقتلوه أو تلقوه في أرض من الأراضي تستريحون منه وتخلون أنتم بأبيكم. ومعنى يخل لكم وجه أبيكم: أي يقبل عليكم إقبالة واحدة لا يلتفت عنكم إلى غيركم، والمراد سلامة محبته لهم ممن يشاركهم فيها وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ أي من بعد يوسف أي من بعد كفايته بالقتل أو التغريب. أو من بعد قتله أو طرحه قَوْماً صالِحِينَ أي تائبين إلى الله مما جنيتم عليه، أضمروا التوبة قبل الذنب. أو المعنى: أو يصلح حالكم عند أبيكم ومعه
قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ أجمله لأنه لا فائدة من تعيينه لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ أي لا تصلوا في عداوته وبغضه إلى قتله، صرفهم الله عن قتله لأن الله تعالى كان يريد منه أمرا لا بد من إمضائه وإتمامه من الإيحاء إليه بالنبوة. ومن التمكين له في مصر وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ أي في مقر البئر، وما غاب منه عن عين الناظر فذلك أقل من القتل لأن القتل عظيم يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ أي بعض الأقوام الذين يسيرون في الطريق إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ به شيئا. أي إن كنتم عازمين على ما تقولون. قال محمد بن إسحاق بن يسار: لقد اجتمعوا على أمر عظيم من قطيعة الرحم، وعقوق الوالد، وقلة الرأفة بالصغير الفرع الذي لا ذنب له وبالكبير الفاني ذي الحق والحرمة والفضل والخطر عند الله، مع حق الوالد على ولده، ليفرقوا بينه وبين أبيه وحبيبه على كبر سنه، ورقة عظمه، مع مكانه من الله، ممن أحبه طفلا صغيرا، وبين ابنه على ضعف قوته وصغر سنه، وحاجته إلى لطف والده وسكونه إليه. يغفر الله لهم وهو أرحم الراحمين، فقد احتملوا أمرا عظيما. رواه ابن أبي حاتم من طريق سلمة بن الفضل عنه.
ولما تواطئوا على أخذه وطرحه في البئر قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ أي لم تخافنا عليه ونحن نريد له الخير ونشفق عليه، وهذه توطئة ودعوى، وهم يريدون خلاف ذلك. دل هذا على أن عادته حفظه منهم، وأنه كان متخوفا عليه منهم، لا كما تزعم الرواية الحالية للتوراة المحرفة أن يعقوب أرسله إليهم