قال قتادة: كأن لم تغن كأن لم تنعم. قال ابن كثير: وهكذا الأمور بعد زوالها كأنها لم تكن كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ أي نبين الحجج والأدلة لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ فيعتبرون وينتفعون بهذا المثل في زوال الدنيا عن أهلها سريعا مع اغترارهم بها، وتمكنهم وثقتهم بمواعيدها، وتفلتها عنهم، فإن من طبعها الهرب ممن طلبها، والطلب لمن هرب منها، وهكذا انتهت هذه المجموعة. فكيف أدت دورها في السياق العام في تحطيمها دعاوى الكافرين، في نفيهم أن ينزل الله وحيا ويبعث رسولا؟ إن الفطرة البشرية
تتوجه إلى الله حق التوجه في الأزمات، وتعد الله في هذه الأزمات أن تستقيم على أمره، فإذ كان الأمر كذلك فهذا يدلل على أن الإنسان يعرف أن الله يرعاه وينقذه، فلماذا إذن يرفض رعايته في الهداية، مع أن الشكر لله لا يعرف طريقه إلا بواسطة الرسل، فلم يستغرب الإنسان إرسال الرسل؟ وفي المجموعة تعزية للرسول الذي يكفر به، ويرد عليه إذ تبين له طبيعة الإنسان وحرصه على الدنيا وكفره بعد كل وعوده بالاستقامة، وفي الآيات تزهيد بالدنيا التي بسبب الحرص على التمتع بها ينأى الكافرون عن اتباع الوحي والعمل للآخرة أو نقول: كأن الآيات تقول للكافرين إن كنتم صادقين في أن الله يهمل الإنسان فلا يبعث له رسولا فلماذا تدعونه في لحظات الضيق؟ إن دعوتكم له في لحظات الضيق دليل على أنكم تعرفون أن الله لا يهمل الإنسان فلماذا تستغربون أن يرسل رسولا؟
ويمكن أن يقال في مؤدى السياق: إنكم أيها الكافرون قد أعطيتم الله فى لحظة ضيق أن تستقيموا على أمره فاتبعوا رسوله وقرآنه بدلا أن تحاربوا وتستغربوا، ولا تغرنكم الحياة الدنيا. وهكذا من خلال تقرير حقيقة الإنسان، وحقيقة الدنيا، يحذر وتقام الحجة على أصحاب فكرة استغراب إرسال الرسول النذير وإنزال الوحي.
[كلمة في السياق]
تحدثنا في آخر تفسير المجموعة الرابعة عن صلة المجموعة في سياق مقطعها، ولم نتحدث عن صلة المجموعة بما قبلها مباشرة، وهاهنا نحب أن نقول: لقد سيقت المجموعة الرابعة بقوله تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ .. وقد جاءت المجموعة الرابعة تقيم الحجة على المشركين بواقعهم إذا أحيط بهم، فهذا محل المجموعة في السياق القريب. ولقد ختمت المجموعة الأولى بقوله تعالى: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ ... ثم بدأت المجموعة الثانية بقوله تعالى: وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً وهذه المجموعة الرابعة بدأت بقوله تعالى: