ما الخبر إذا كان القلب أعمى قال النسفي:(أي فما عميت أبصارهم عن الإبصار بل قلوبهم عن الاعتبار ...... وذكر الصدور لبيان أن محل العلم القلب ولئلا يقال إن القلب يعني به غير هذا العضو) أقول: القلب الذي هو محل الإيمان في الصدر، وبينه وبين القلب الحسي صلة، وقد دلتنا الآية على وجوب التفكر والتدبر، ولكن الكافر بدلا من أن يفكر فيعتبر فيؤمن ويتابع، يكذب ويعلن عن تكذيبه بالاستهزاء في مظهر استعجال العذاب، وقد صور الله هذا بقوله
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ تكذيبا به واستهزاء بك واستبعادا له وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ أي: الذي وعده من إقامة الساعة، والانتقام من أعدائه، والإكرام لأوليائه وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ. قال ابن كثير في الآية: (أي هو تعالى لا يعجل فإن مقدار ألف سنة عند خلقه كيوم واحد عنده بالنسبة إلى حكمه، لعلمه بأنه على الانتقام قادر، وأنه لا يفوته شئ وإن أجل وانظر وأملى، ولهذا قال بعد هذا
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ أي وكم من أهل قرية كانوا مثلكم ظالمين قد أنظرتهم حينا .... ثم أخذتهم بالعذاب وإلي المرجع فلا يفوتني شئ، وبهذا انتهت المجموعة السابعة وانتهى المقطع الثاني.
[كلمة في السياق]
صلة هذه المجموعة الأخيرة بما قبلها واضحة من حيث إنها تحذر من عاقبة التكذيب الذي نهايته الهلاك في الدنيا، وفي إهلاك المكذبين نصر للرسل عليهم السلام، فلنتذكر الآن كيف سار المقطع:.
عالج المقطع قضية الشك في اليوم الآخر وهي العقبة الأولى في طريق العبادة والتقوى، ثم عرض لصنف من الناس جاهل في الله، والجهل بالله من أعظم الصوارف عن التقوى لأهله وللناس، ثم عرض لصنف من الناس يعبد الله على حرف، فعالج شأنه إذ هذا الشأن من أعظم القواطع عن الاستمرار في الطريق الموصلة إلى التقوى، ثم عرض لموضوع اليأس من النصر، وهو موضوع خطير ينقطع بسببه الكثير عن السير إلى الله فعالجه معالجة طويلة، مبينا أن الله ينصر أهل الإيمان والتقوى ثلاثة أنواع من النصر: في الآخرة، وفي الدنيا إذا قاتلوا، وفي الدنيا بإهلاك أعدائهم، ولما كان علم الله محيطا، وقد علم جل جلاله أن موضوع القتال في الإسلام ستكثر عليه الحملات، فقد عرض النصر الذي هو أثر عن القتال بعد أن بين مبررات القتال من خلال الواقع العملي لقريش