الجمهور على أن العامد والنّاسي سواء في وجوب الجزاء على من صاد وهو محرم. وقال الزهري: دل الكتاب على العامد، وجرت السنّة على النّاسي، ومعنى هذا أنّ القرآن دل على وجوب الجزاء على المتعمّد وعلى تأثيمه بقوله: لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ، وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وجاءت السنة من أحكام النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأحكام أصحابه بوجوب الجزاء على الخطأ، كما دلّ الكتاب عليه في العمد. وأيضا فإنّ قتل الصيد إتلاف، والإتلاف مضمون في العمد وفي النسيان، لكن المتعمّد مأثوم، والمخطئ غير ملوم: وكثيرا ما يكون الفارق بين الخطأ والعمد لا من حيث الجزاء الدنيوي بل في الإثم والعقوبة الأخرويين.
[٣، ٤ - حكم الصحابة في جزاء صيد بعض الحيوانات]
٣ - حكم الصحابة في النّعامة ببدنة، وفي بقرة الوحش ببقرة، وفي الغزال بعنز.
ومن قصصهم في هذا الباب ما يلي: أخرج ابن أبي حاتم .. عن ميمون بن مهران: أنّ أعرابيا أتى أبا بكر فقال: قتلت صيدا وأنا محرم، فما ترى عليّ من الجزاء؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه لأبيّ بن كعب وهو جالس عنده: ما ترى فيما قال؟ فقال الأعرابي: أتيتك وأنت خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسألك. فإذا أنت تسأل غيرك؟ فقال أبو بكر: وما تنكر؟ يقول الله تعالى: فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ فشاورت صاحبي، حتى إذا اتفقنا على أمر أمرناك به. وهذا إسناد جيّد لكنه منقطع. أفترى أنّ الصّديق قد بيّن له الحكم برفق وتؤدة لمّا رآه أعرابيا جاهلا، وإنما دواء الجهل التعليم، فأمّا إذا كان المعترض منسوبا إلى العلم فقد روى ابن جرير ... عن قبيصة بن جابر قال: خرجنا حجاجا فكنّا إذا صلينا الغداة اقتدنا رواحلنا فنتماشى نتحدث، قال: فبينما نحن ذات غداة إذ سنح (مرّ من اليمين إلى اليسار وعكسه: برح) لناظبي أو برح فرماه رجل كان معنا بحجر فما أخطأ حشاه، فركب وودعه ميتا، قال: فعظمنا عليه، فلما قدمنا مكة خرجت معه حتى أتينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقصّ عليه القصّة فقال: وإذا إلى جنبه رجل كأنّ وجهه قلب فضة- يعني عبد الرحمن بن عوف فالتفت عمر إلى صاحبه فكلّمه، قال: ثم أقبل على الرجل فقال: أعمدا قتلته أم خطأ؟ فقال الرجل: لقد تعمدت رميه، وما أردت قتله، فقال عمر: ما أراك إلا شركت بين العمد والخطأ، اعمد إلى شاة فاذبحها وتصدق بلحمها واستبق إهابها، قال: فقمنا من عنده، فقلت لصاحبي: أيها الرجل عظّم شعائر الله، فما درى أمير المؤمنين ما يفتيك حتى سأل صاحبه، اعمد إلى ناقتك فانحرها فلعل ذلك يعني أن يجزئ عنك. قال قبيصة: ولا أذكر الآية من سورة المائدة يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ فبلغ عمر مقالتي، فلم يفجأنا منه إلا ومعه الدّرّة، قال: فعلا صاحبي