أيها المسلمون إذا مات أحدكم وترك مالا أن تنفذوا ما وصاكم الله به في صلة الوالدين والأقربين. والتي حددها الله في هذه الحالة بآيات الميراث فيما بعد. بِالْمَعْرُوفِ:
أي بالعدل وذلك بإعطاء كل ذي حق حقه، كما حدده الله تعالى. قال عليه الصلاة والسلام بعد أن أنزلت آيات الميراث:«إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه. فلا وصية لوارث». حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ: إن تطبيق هذه الوصية وإعطاء الوارثين حقوقهم أمر واجب على المتقين. فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ: فمن بدل حكم الله في قضايا الإرث بعد ما سمعه فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ: فإنما إثم التبديل على من فعله. إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً: أي فمن خاف من مورث أوصى جنفا: أي خطأ بأن زاد وارثا بواسطة أو وسيلة كما لو أوصى ببيعه الشئ الفلاني محاباة، أو أوصى لابن بنته ليزيدها، أو نحو ذلك من الوسائل. إما مخطئا غير عامد، بل بطبعه وقوة شفقته من غير تبصر أو متعمدا آثما. فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ: بأن أرجع الأمور إلى نصابها في تطبيق حكم الله في قضايا الإرث. فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، بل هو مأجور لإقامة أمر الله. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وعلى هذا الاتجاه فهذه الفقرة مقدمة لآيات الميراث وبإطلاقها تطبق على مرحلة ما قبل نزول آيات الميراث، فهي تمهيد لما بعدها وحل مؤقت لبعض الأمور.
[شرح الفقرة على القول الثالث]
القول الثالث: أن هذه الآية ثابتة فيمن لا يرث، منسوخة فيمن يرث. فالأقربون أعم ممن يرث أو من لا يرث. فرفع حكم من يرث بما عين له. وبقي الآخر على ما دلت عليه الآية الأولى. وهذا الاتجاه لا يصح إلا إذا اعتبرنا أن الوصية في الأصل كانت ندبا، وبقيت مندوبة. وعلى هذا ف كُتِبَ في الآية، المراد بها على رأي هؤلاء، ندب. وهذا يخالف ظاهر الآية وسياقها. إلا إذا اعتبرنا قوله تعالى: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ في الآية تخصيصا. بمعنى أن هذا على من اتقى كالفريضة. إذ التقي يأخذ بالعزيمة من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين. فعلى هذا فإن في آية الميراث في سورة النساء حكما مستقلا، لأهل الفروض والعصبات رفع به حكم هذه الآية بالنسبة لهم بالكلية. وبقي الأقارب الذين لا ميراث لهم. يستحب للمسلم أن يوصي لهم من الثلث استئناسا بآية الوصية، وشمولها. وللأحاديث الواردة في ذلك. فلنذكرها أولا.