للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جلاله، وبالرجاء يعرف لله إكرامه. إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً أي حقيقا بأن يحذره كل أحد من ملك مقرّب ونبي مرسل فضلا عن غيرهم.

[كلمة في السياق]

نلاحظ أن الله عزّ وجل أقام الحجة على من أشرك مرتين: مرة في بداية المجموعة الأولى إذ بين لهم أن من يعبدونهم لا يسعهم إلا أن يكونوا عابدين. وفي بداية هذه

المجموعة إذ بين لهم أن من يعبدونهم يتنافسون على التقرب إلى الله، وأنهم عاجزون عن أن يملكوا لهم ضرا أو نفعا، فوجّهوا قلوبكم لله، ومحضوا عبادتكم له. وبهذا تكون الحجة قد قامت وعولج النفور بأبلغ دليل لو كان هناك عقول، وعرفنا في الوقت نفسه نموذجا لكيفية تصريف الله في هذا القرآن، وهو الشئ الذي ذكرته مقدمة المقطع إن مقدمة المقطع قالت: وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً ثم سار المقطع مقيما الحجة، ومذكّرا بالحق، ومكررا إقامة الحجة مرة بعد مرة، وذلك مظهر من مظاهر التصريف في هذا القرآن، هذا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً.

ومن ثم نجد السياق يذكّر بإهلاك الله القرى:

...

وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ أي وما من قرية إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً أي ليس من قرية إلا وهي إما مصيبها الهلاك، أو العذاب الشديد قبل يوم القيامة كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ أي في اللوح المحفوظ مَسْطُوراً أي مكتوبا. قال ابن كثير: هذا إخبار من الله عزّ وجل بأنه قد حتم وقضى بما قد كتب عنده في اللوح المحفوظ أنه ما من قرية إلا سيهلكها بأن يبيد أهلها جميعهم، أو يعذبهم عذابا شديدا. إما بقتل، أو ابتلاء بما يشاء، وإنما يكون ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم: أقول: وهكذا نعلم أنه ما من قرية إلا أصابها أو سيصيبها إهلاك أو عذاب حتى مكة سيسلط الله عليها الحبشة كما ورد في الأحاديث. وهذا يدل على أن الكفر والفسوق يتعاوران البلدان والقرى في الزمان والمكان. ومن ثم فالهلاك والعذاب يتعاوران البلدان والقرى في الزمان والمكان وفي ذلك تهديد للمنحرفين عن أمر الله.

وقد يتساءل متسائل لم يعذبهم الله أليس إراءته في هذه الحال يمكن أن يكون بديلا ومن ثم يأتي قوله تعالى هنا:

وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>