المحفوظ، أخبر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أنه يعلم أحواله وأحوال أمته، وجميع الخلائق في كل ساعة وأوان ولحظة، وأنه لا يغيب عن علمه وبصره مثقال ذرة في حقارتها وصغرها في السموات والأرض ولا أصغر منها ولا أكبر، إلا في كتاب، فمن كان كذلك فهو أهل الخشية وأهل التقوى، وأهل لأن يتلقى عنه في التحليل والتحريم، وأهل لأن يعبد وحده،
ولذلك عقب هذه الآية بقوله أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ أي فيما يستقبلونه من أحوال الآخرة وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما وراءهم من الدنيا،
ثم فسر تعالى من هم أولياؤه فقال: الَّذِينَ آمَنُوا بكل ما يجب الإيمان به وَكانُوا يَتَّقُونَ الله بامتثال أمره ونهيه، فمن كان تقيا كان لله وليا ولا ولاية إلا بهذا، فليخسأ المنحرفون عن أمر الله المفرطون في تطبيق شرعه
لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا هي الرؤيا الصالحة للرجل الصالح، يراها أو ترى له- كما سنرى- أو بشرى الملائكة للمؤمن عند احتضاره بالجنة والمغفرة وَفِي الْآخِرَةِ عند ما تتلقاهم مبشرة: هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ .. بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ ... لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ أي لا خلف لمواعيده أي هذا الوعد لا يبدل ولا يخلف ولا يغير، بل هو مقرر مثبت كائن لا محالة ذلِكَ أي المذكور هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
وبعد أن بين الله عزّ وجل أن أولياءه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وجه لرسوله صلى الله عليه وسلم نهيا عن نوع من الحزن على ما عند أناس من عقائد أهل الكفر وأقوالهم وكلامهم وما يجهرون من ذلك فقال: وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ أي قول هؤلاء الكافرين والمشركين، أي اعتقاداتهم، وما يجهرون به، وما يؤذون به، مبينا له إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً أي فاستعن بالله، وتوكل عليه وثق به فإن له العزة: أي القوة كلها، وقد جعلها لرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين هُوَ السَّمِيعُ لأقوال عباده الْعَلِيمُ بأحوالهم فيجازيهم، وينصرك في الدنيا والآخرة،
ثم عرض الله عزّ وجل نماذج من أقوال هؤلاء الكافرين مفندا إياها، مبينا كذبها من خلال تقرير العقيدة الحق أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ عبيدا وملكا وخلقا، فالكل ملكه وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ أي والمتبوعون الذين يعبدهم المشركون من دون الله هم كذلك مملوكون لله، وإذ كان الأمر كذلك فكيف يكون هؤلاء شركاء لله؟ ومن أخبر المشركين أن آلهتهم شريكة لله في ألوهيته وربوبيته؟ الحقيقة أن المشركين يعبدون ما لا دليل لهم على عبادته، بل إنما يتبعون في
ذلك ظنونهم وتخرصهم وكذبهم وإفكهم إِنَّ أي ما يَتَّبِعُونَ في ذلك إِلَّا الظَّنَّ أي ظنهم أنها آلهة تشفع لهم وَإِنْ أي وما هُمْ إِلَّا