للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن كثير: فكان هذا أمرا عظيما جدا، وبرهانا قاطعا للعذر، وحجة دامغة، وذلك أن الذين استنصر بهم، وطلب منهم أن يغلبوا غلبوا، وخضعوا وآمنوا بموسى في الساعة الراهنة، وسجدوا لله رب العالمين، الذي أرسل موسى وهارون بالحق والمعجزة الباهرة فغلب فرعون غلبا لم يشاهد العالم مثله، وكان وقحا جريئا، عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين- فعدل إلى المكابرة والعناد- ودعوى الباطل- فشرع يتهددهم، ويتوعدهم

قالَ فرعون آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ بذلكم، أي كان ينبغي أن تستأذنوني فيما فعلتم، ولا تفتاتوا علي في ذلك، فإن أذنت لكم فعلتم، وإن منعتكم امتنعتم، فإني أنا الحاكم المطاع إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ أي وقد تواطأتم معه على أمر ومكر، وهذه مكابرة يعلم كل أحد بطلانها، فإنهم لم يجتمعوا بموسى قبل ذلك اليوم، فكيف يكون كبيرهم الذي أفادهم صناعة السحر؟ هذا لا يقوله عاقل، ثم توعدهم فرعون فقال فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أي وبال ما فعلتم، ثم صرح بما سيفعله بهم فقال: لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ أي من أجل خلاف ظهر منكم، أو مخالفا بين أيديكم وأرجلكم في القطع وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ وهي عقوبة أراد بها فيما يبدو ترهيب العامة، لئلا يتبعوهم في الإيمان

قالُوا لا ضَيْرَ أي لا ضرر علينا، ولا نبالي به إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ أي المرجع إلى الله عزّ وجل، وهو لا يضيع أجر من أحسن عملا ولا يخفى عليه ما فعلت بنا، وسيجزينا على ذلك أتم الجزاء،

ولهذا قالوا إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أي: ما قارفنا من الذنوب وما أكرهتنا عليه من السحر أَنْ أي لأن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ أي بسبب أنا بادرنا قومنا من القبط إلى الإيمان؟ قال ابن كثير: فقتلهم كلهم. وهكذا قامت الحجة قياما كاملا، ومع ذلك بقي العتو، وأنزل الله الآيات الأخرى التي ذكرت في سورة الأعراف، واختصرت هنا؛ لأن السياق ينصب هنا على فعل الله لأنبيائه. ومن ثم فالسياق هنا ينتقل مباشرة إلى موضوع الخروج والإنجاء

وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي أي بني إسرائيل. أي سربهم ليلا. قال النسفي: سماهم عباده لإيمانهم بنبيه إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ أي يتبعكم فرعون وقومه. قال النسفي: علل الأمر بالإسراء باتباع فرعون وجنوده آثارهم، يعني إني بنيت تدبير أمركم وأمرهم، على أن تتقدموا ويتبعوكم، حتى يدخلوا مدخلكم من طريق البحر فأهلكهم، هذا ما كان من وحي الله وتدبيره، وقد ذكر تدبير فرعون ضد بني إسرائيل، ليعلم أن الله عزّ وجل هو الذي يدبر المعركة بين الكافرين والمؤمنين، ومن ثم فمهما دبر الكافرون ضد المؤمنين، فالعاقبة للمتقين؛ لأن

<<  <  ج: ص:  >  >>