للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونقف أمام تلك المواجهة الأخيرة من هود لقومه؛ وأمام تلك المفاصلة التي قذف بها في وجوههم في حسم كامل، وفي تحد سافر، وفي استعلاء بالحق الذي معه، وثقة في ربه الذي يجد حقيقته في نفسه بينة: قالَ: إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ* مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ* إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ، وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً، إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ.

إن أصحاب الدعوة إلى الله في كل مكان وفي كل زمان في حاجة إلى أن يقفوا طويلا أمام هذا المشهد الباهر .. رجل واحد، لم يؤمن معه إلا قليل، يواجه أعتى أهل الأرض، وأغنى أهل الأرض، وأكثر أهل الأرض حضارة مادية في زمانهم) ولنعد إلى التفسير:

[تفسير المجموعة الثالثة]

فبعد قصة هود تأتي قصة صالح مع قومه لتؤدي دورها في سياق هذه السورة:

وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أي ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ عبادة الله وحده تلكم دعوة الرسل جميعا من لدن آدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام جميعا هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ أي ابتدأ خلقكم منها، خلق منها أباكم آدم، وخلق أجسادكم منها وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها أي جعلكم عمارا تعمرونها وتستغلونها، أو جعلكم عمارها وأراد منكم عمارتها، ويحتمل أن يكون المعنى: وأطال أعماركم فيها والأول أصح فَاسْتَغْفِرُوهُ أي فاسألوه مغفرته بأن تؤمنوا ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ كلما أذنبتم إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ أي داني الرحمة مُجِيبٌ لمن دعاه وهكذا نجد أن طريق الرسل واحدة ودعوتهم واحدة: العبادة والاستغفار.

[فائدة]

نلاحظ أن نوحا قال: أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ وأن هودا قال يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ وأن صالحا قال: يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>