للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُهْتَدِي فلا هداية إلا بتوفيق الله وخلقه وَمَنْ يُضْلِلْ أي ومن يضلله فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ والآية رد على ما ذهب إليه المعتزلة من كون الهدى هو البيان، لأن البيان يستوي به الكافر والمؤمن، إذ البيان ثابت في حق الفريقين، فدل هذا على أن الهدى من الله يراد به توفيقه وعصمته ومعونته، ولو كان ذلك للكافر لاهتدى كما اهتدى

المؤمن.

[فوائد]

١ - أكثر المفسرين- ومن ذلك عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس- على أن المراد بهذا الرجل النموذج بلعام بن باعوراء، وهو رجل من غير بني إسرائيل، كان مجاب الدعوة، فطالبه قومه أن يدعو على موسى فرفض أولا، ثم استجاب لهم فدعا فعوقب.

وفي عرض هذا النموذج هنا تحذير وتذكير. فهو تذكير لبني إسرائيل ألا يكونوا مع محمد صلى الله عليه وسلم كما كان بلعام بن باعوراء مع موسى، كما هو تحذير لكل إنسان أن يكون كهذا الرجل المنحرف، وهو نموذج يقتضيه السياق الخاص، والسياق العام في سورة تفصل موضوع الهدى المنزل، وموقف الناس منه، فهو نموذج لعالم كان مهتديا ثم زل وكفر فعوقب.

٢ - وقد ورد في معنى هذه الآية حديث رواه الحافظ أبو يعلى عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن مما أتخوف عليكم رجل قرأ القرآن حتى إذا رؤيت بهجته عليه، وكان رداؤه الإسلام اعتراه إلى ما شاء الله انسلخ منه ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف ورماه بالشرك» قال: قلت: يا نبي الله أيهما أولى بالشرك المرمي أو الرامي؟ قال: «بل الرامي». وإسناد هذا الحديث جيد.

٣ - وقصة بلعام بن باعوراء واردة في سفر العدد الإصحاح الثاني والعشرين. والثالث والعشرين والرابع والعشرين ثم تنقطع القصة، ثم يرد ذكر بلعام بن باعور في الإصحاح الحادي والثلاثين إذ يقال فيه (وبلعام بن بعور قتلوه بالسيف). ويرد ذكر قتله كذلك في سفر يشوع في الإصحاح الثالث عشر (وبلعام بن بعور العراف قتله بنو إسرائيل بالسيف مع قتلاهم). وإذا اقتصر الإنسان على رواية سفر العدد في قصة بلعام لا يجد مبررا لقتل بلعام. وما رواه علماء المسلمين في هذا الموضوع- ويبدو أن روايتهم منقولة عن نسخة قديمة لهذه الأسفار- هو الذي يعطي التصور الأكمل في هذا الموضوع، وهو الذي يوجد الربط ما بين الإصحاح الرابع والعشرين والإصحاح الخامس والعشرين

<<  <  ج: ص:  >  >>