اصفح عن إساءتهم وقابلها بالإحسان، وقال ابن عباس رضي الله عنهما مفسرا الحسنى بأنها: شهادة أن لا إله إلا الله والسيئة: بأنها الشرك، وهناك اتجاهات كثيرة في تفسير الحسنة والسيئة، قال بعضهم مفسرا الآية: ادفع الفحش بالسلام، والمنكر بالموعظة، وذهب بعضهم في الآية إلى أنها منسوخة، وقال آخرون: إنها محكمة إذ المداراة محثوث عليها ما لم تؤد إلى ثلم دين. نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ من الشرك والأذى وغير ذلك فنجازيهم عليه
وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ أي من وساوسهم ونخساتهم.
وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ أمر بالتعوذ من نخساتهم بلفظ المبتهل إلى ربه المكرر لندائه، وبالتعوذ من أن يحضروه أصلا، أو عند تلاوة قرآن أو عند النزع.
[كلمة في السياق]
أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم في الآيتين الأخيرتين: أن يدعو دعوتين، وأمره قبل ذلك أن يدفع السيئة بالحسنة، ومن ذلك نفهم أن دفع السيئة بالحسنة يحتاج إلى استعاذة بالله من الشيطان، إذ النفس يصعب عليها هذا المقام، والشيطان يستغل هذه الصعوبة، ومجيء أمر الدفع بالحسنة بعد الدعاء بألا يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصيب الظالمين، يشير إلى الحالة الشعورية التي ينبغي أن يكون عليها المسلم، حتى وهو يحسن ويصفح، ومجيء هذه المعاني في سياق الأمر بالإيمان والعمل الصالح يذكرنا بأن هذه الأمور من الأعمال الصالحة، ومن مقتضيات الإيمان، والآن تأتي آخر آية في المجموعة وهي تحذر من ترك الإيمان والعمل الصالح.
...
حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ أي لا يزالون يكفرون ويعملون السيئات إلى هذا الوقت قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ أي ردوني إلى الدنيا
لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ أي في الموضع الذي تركت، وهو الدنيا لأنه ترك الدنيا وصار إلى العقبى، قال قتادة: ما تمنى أن يرجع إلى أهل، ولا إلى عشيرة، ولكن ليتدارك ما فرط كَلَّا حرف ردع وزجر، أي لا نجيبه إلى ما طلب ولا نقبل منه إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها أي لا محالة لا يخليها ولا يسكت عنها لاستيلاء الحسرة والندم عليه، قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أي لا بد أن يقولها لا محالة كل محتضر ظالم وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ أي حائل بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ لم يرد أنهم يرجعون يوم البعث وإنما هو إقناط كلي، لما علم أن لا رجوع بعد البعث إلا إلى